للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَقُولُونَهُ بِالْمُعْجَمَةِ وَإِنَّمَا هُوَ بِالْمُهْمَلَةِ وَمَعْنَاهُ يَبْلُغُ أَوَّلَهُمْ وَآخِرَهُمْ

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى يُحِيطُ بِهِمُ الرَّائِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِاسْتِوَاءِ الْأَرْضِ فَلَا يَكُونُ فِيهَا مَا يَسْتَتِرُ أَحَدٌ بِهِ مِنَ الرَّائِي وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَبِي عُبَيْدَةَ يَأْتِي عَلَيْهِمْ بَصَرُ الرَّحْمَنِ

إِذْ رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى مُحِيطَةٌ بِجَمِيعِهِمْ فِي كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ الصَّعِيدُ الْمُسْتَوِي وَغَيْرُهُ وَيُقَالُ نَفَذَهُ الْبَصَرُ إِذْ بَلَغَهُ وَجَاوَزَهُ وَالنَّفَاذُ الْجَوَازُ وَالْخُلُوصُ مِنَ الشَّيْءِ وَمِنْهُ نَفَذَ السَّهْمُ نُفُوذًا إِذَا خَرَقَ الرَّمْيَةَ وَخَرَجَ مِنْهَا كَذَا فِي الْفَتْحِ

وَقَالَ النَّوَوِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الِاخْتِلَافَاتِ مَا لَفْظُهُ فَحَصَلَ خِلَافٌ فِي فَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّهَا وَفِي الذَّالِ وَالدَّالِ وَفِي الضَّمِيرِ فِي يَنْفُذُهُمْ وَالْأَصَحُّ فَتْحُ الْيَاءِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَأَنَّهُ بَصَرُ الْمَخْلُوقِ انْتَهَى (فَيَبْلُغُ النَّاسَ) بِالنَّصْبِ أَيْ فَيَلْحَقُهُمْ (مِنَ الْغَمِّ) أَيْ مِنْ أَجْلِهِ وَسَبَبِهِ (وَالْكَرْبِ) وَهُوَ الهم الشديد (مالا يطيقون) أي مالا يَقْدِرُونَ عَلَى الصَّبْرِ عَلَيْهِ (وَلَا يَتَحَمَّلُونَ) فَيَجْزَعُونَ وَيُفْزَعُونَ (أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ) أَيْ لَحِقَكُمْ مِنَ الْغَمِّ أَوِ الْكَرْبِ (أَلَا تَنْظُرُونَ) أَيْ أَلَا تَتَأَمَّلُونَ وَلَا تَتَفَكَّرُونَ أَوْ لَا تُبْصِرُونَ (مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ) أَيْ لِيُرِيحَكُمْ مِنْ هَذَا الْهَمِّ وَالْغَمِّ (نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي) أَيْ نَفْسِي هِيَ الَّتِي تَسْتَحِقُّ أَنْ يُشْفَعَ لَهَا (فَيَقُولُونَ يَا نُوحُ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ) اسْتَشْكَلَتْ هَذِهِ الْأَوَّلِيَّةُ بِأَنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَكَذَا شِيثٌ وَإِدْرِيسُ وَغَيْرُهُمْ

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَوَّلِيَّةَ مُفِيدَةٌ بِقَوْلِهِ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ وَيُشْكِلُ ذَلِكَ بِحَدِيثِ جَابِرٍ فِي الْبُخَارِيِّ فِي التَّيَمُّمِ وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ خَاصَّةً إِلَى قَوْمٍ خَاصَّةً وَيُجَابُ بِأَنَّ الْعُمُومَ لَمْ يَكُنْ فِي أَصْلِ بَعْثَةِ نُوحٍ وَإِنَّمَا اتَّفَقَ بِاعْتِبَارِ حَصْرِ الْخَلْقِ فِي الْمَوْجُودِينَ بَعْدَ هَلَاكِ سَائِرِ النَّاسِ انْتَهَى

وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لَا يَخْفَى وَقِيلَ إِنَّ الثَّلَاثَةَ كَانُوا أَنْبِيَاءَ لَمْ يَكُونُوا رُسُلًا وَيُرَدُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أبي ذر عند بن حِبَّانَ فَإِنَّهُ كَالصَّرِيحِ بِإِنْزَالِ الصُّحُفِ عَلَى شِيثٍ وهو

<<  <  ج: ص:  >  >>