ثُمَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَوَلَدَتْ لَهُمْ وَهِيَ أُخْتُ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ لِأُمِّهَا مَاتَتْ بَعْدَ عَلِيٍّ قَوْلُهُ (بِئْسَ الْعَبْدُ) لَمْ يَقُلْ بِئْسَ الرَّجُلُ أَوِ الْمَرْءُ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْأَوْصَافَ الْآتِيَةَ لَيْسَتْ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَبْدِيَّةِ وَلَا نُعُوتِ الْعُبُودِيَّةِ (عَبْدٌ تَخَيَّلَ) بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ تَخَيَّلَ فِي نَفْسِهِ فَضْلًا عَلَى غَيْرِهِ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ (وَاخْتَالَ) أَيْ تَكَبَّرَ (وَنَسِيَ الْكَبِيرَ الْمُتَعَالِ) بِحَذْفِ الْيَاءِ مُرَاعَاةً لِلْفَاصِلَةِ وَهُوَ لُغَةٌ فِي الْمَنْقُوصِ الْمُعَرَّفِ وَعَلَيْهِ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ المتعال أَيْ نَسِيَ أَنَّ الْكِبْرِيَاءَ وَالتَّعَالِيَ لَيْسَتْ إِلَّا لَهُ (وَبِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ تَجَبَّرَ) بِالْجِيمِ أَيْ جَبَرَ الْخَلْقَ عَلَى هَوَاهُ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ
وَقَالَ القارىء أي قهر على المظلومين وفي القاموس بجبر وَجَبَرَهُ عَلَى الْأَمْرِ أَكْرَهَهُ كَأَجْبَرَهُ انْتَهَى فَالتَّجَبُّرُ بِمَعْنَى التَّكَبُّرِ مَعَ تَضَمُّنِ مَعْنَى الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ وَالْإِكْرَاهِ (وَاعْتَدَى) أَيْ فِي تَجَبُّرٍ فَمَنْ خَالَفَهُ قَهَرَهُ بِقَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَنَسِيَ الْجَبَّارَ الْأَعْلَى) أَيِ الْقَهَّارَ الَّذِي فَوْقَ عِبَادِهِ الْغَالِبَ عَلَى أمره (عبد سهى) أَيْ غَفَلَ عَنِ الْحَقِّ وَالطَّاعَةِ بِاسْتِغْرَاقِهِ فِي الأماني وجمع الحطام (ولهى) أَيِ اشْتَغَلَ بِاللَّهْوِ وَاللَّعِبِ (وَنَسِيَ الْمَقَابِرَ) الْمُرَادُ أَنَّهُ نَسِيَ الْمَوْتَ بِعَدَمِ الِاسْتِعْدَادِ لَهُ (وَالْبِلَى) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ تَفَتُّتُ الْأَعْضَاءِ وَتَشَتُّتُ الْأَجْزَاءِ إِلَى أَنْ تَصِيرَ رَمِيمًا وَرُفَاتًا بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ عَتَا مِنَ الْعُتُوِّ أَيْ أَفْسَدَ (وَطَغَى) مِنَ الطُّغْيَانِ أَيْ تَجَاوَزَ عَنِ الْحَدِّ وَقِيلَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَأَتَى بِهِمَا تَأْكِيدًا وَالثَّانِي تَفْسِيرٌ أَوْ أَتَى بِهِ لِلْفَاصِلَةِ وَنَسِيَ الْمُبْتَدَأَ وَالْمُنْتَهَى بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ
قَالَ الْأَشْرَفُ أَيْ نَسِيَ ابْتِدَاءَ خَلْقِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ نُطْفَةً وَانْتِهَاءَ حَالِهِ الَّذِي يؤول إِلَيْهِ وَهُوَ صَيْرُورَتُهُ تُرَابًا أَيْ مَنْ كَانَ ذلك ابتداؤه ويكون انتهاءه هَذَا جَدِيرٌ بِأَنْ يُطِيعَ اللَّهَ تَعَالَى فِيمَا بَيْنَهُمَا
وَقِيلَ أَيْ نَسِيَ الْمُبْتَدَأَ وَالْمَعَادَ وَمَا هُوَ صَائِرٌ إِلَيْهِ بَعْدَ حَشْرِ الْأَجْسَادِ (عَبْدٌ يَخْتِلُ) بِكَسْرِ التَّاءِ أَيْ يَطْلُبُ (الدُّنْيَا بِالدِّينِ) أَيْ بِعَمَلِ الْآخِرَةِ مِنْ خَتَلَهُ إِذَا خَدَعَهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ
وَالْمَعْنَى يَخْدَعُ أَهْلَ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الصُّلَحَاءِ لِيَعْتَقِدُوا فِيهِ وَيَنَالَ مِنْهُمْ مَالًا أَوْ جَاهًا مِنْ خَتَلَ الذِّئْبُ الصَّيْدَ خَدَعَهُ وَخَفِيَ لَهُ
قَالَ الْقَاضِي خَتَلَ الصَّائِدُ إِذَا مَشَى لِلصَّيْدِ قَلِيلًا قَلِيلًا لِئَلَّا يُحِسَّ بِهِ شَبَّهَ فِعْلَ مَنْ يُرَى وَرِعًا وَدَيِّنًا لِيَتَوَسَّلَ بِهِ إِلَى الْمُطَالَبِ الدُّنْيَوِيَّةِ بِخَتْلِ الذِّئْبِ الصَّائِدِ (عَبْدٌ يَخْتِلُ الدِّينَ) أَيْ يُفْسِدُهُ (بِالشُّبُهَاتِ) بِضَمَّتَيْنِ وَبِفَتْحِ الثَّانِيَةِ أَيْ يَتَشَبَّثُ بِالشُّبُهَاتِ وَيَتَأَوَّلُ الْمُحَرَّمَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute