للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(تَنْبِيهٌ) حَمَلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ عَلَى الْمَجَازِ

قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى الْمَجَازِ دُونَ الْحَقِيقَةِ

أَيْ أذلاء مهانين يطأهم النَّاسُ بِأَرْجُلِهِمْ وَإِنَّمَا مَنَعَنَا عَلَى الْقَوْلِ بِظَاهِرِهِ مَا أَخْبَرَنَا بِهِ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْأَجْسَادَ تُعَادُ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْأَجْزَاءِ حَتَّى إِنَّهُمْ يُحْشَرُونَ غُرْلًا يُعَادُ مِنْهُمْ مَا انْفَصَلَ عَنْهُمْ مِنَ الْقُلْفَةِ وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ بِقَوْلِهِ يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ

قَالَ الْأَشْرَفُ إِنَّمَا قَالَ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ بَعْدَ قَوْلِهِ أَمْثَالَ الذر قطعا منه حمل قَوْلِهِ أَمْثَالَ الذَّرِّ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَدَفْعًا لِوَهْمِ مَنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ الْمُتَكَبِّرَ لَا يُحْشَرُ فِي صُورَةِ الْإِنْسَانِ وَتَحْقِيقًا لِإِعَادَةِ الْأَجْسَادِ الْمَعْدُومَةِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْأَجْزَاءِ

وَقَالَ الْمُظَهَّرُ يَعْنِي صُوَرُهُمْ صُوَرُ الْإِنْسَانِ وَجُثَّتُهُمْ كَجُثَّةِ الذَّرِّ فِي الصِّغَرِ

قَالَ الطِّيبِيُّ لَفْظُ الْحَدِيثِ يُسَاعِدُ هَذَا الْمَعْنَى لِأَنَّ قَوْلَهُ أَمْثَالَ الذَّرِّ تَشْبِيهٌ لَهُمْ بِالذَّرِّ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ وَجْهِ الشَّبَهِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَجْهُ الشَّبَهِ الصِّغَرَ فِي الْجُثَّةِ وَأَنْ يَكُونَ الْحَقَارَةَ وَالصَّغَارَ فَقَوْلُهُ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ بَيَانٌ لِلْوَجْهِ وَدَفْعُ وَهْمِ مَنْ يَتَوَهَّمُ خِلَافَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ الْأَجْسَادَ تُعَادُ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْأَجْزَاءِ فَلَيْسَ فِيهِ أَنْ لَا تُعَادَ تِلْكَ الْأَجْزَاءُ الْأَصْلِيَّةُ فِي مِثْلِ الذَّرِّ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَيْهِ وَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ وَعَلَى هَذِهِ الْحَقَارَةِ مَلْزُومُ هَذَا التَّرْكِيبِ فَلَا يُنَافِي إِرَادَةَ الْجُثَّةِ مَعَ الْحَقَارَةِ

قُلْتُ الظَّاهِرُ هُوَ الْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْأَحَادِيثِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَجْسَادَ تُعَادُ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الأجزاء حتى أنهم يحشرون غرلا

قال القارىء التَّحْقِيقُ أَنَّ اللَّهَ يُعِيدُهُمْ عِنْدَ إِخْرَاجِهِمْ مِنْ قُبُورِهِمْ عَلَى أَكْمَلِ صُوَرِهِمْ وَجَمْعِ أَجْزَائِهِمُ الْمَعْدُومَةِ تَحْقِيقًا لِوَصْفِ الْإِعَادَةِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ ثُمَّ يَجْعَلُهُمْ فِي مَوْقِفِ الْجَزَاءِ عَلَى الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ إهانة وتذليلا لهم جزاءا وِفَاقًا أَوْ يَتَصَاغَرُونَ مِنَ الْهَيْبَةِ الْإِلَهِيَّةِ عِنْدَ مَجِيئِهِمْ إِلَى مَوْضِعِ الْحِسَابِ وَظُهُورِ أَثَرِ الْعُقُوبَةِ السُّلْطَانِيَّةِ الَّتِي لَوْ وُضِعَتْ عَلَى الْجِبَالِ لَصَارَتْ هَبَاءً مَنْثُورًا انْتَهَى

[٢٤٩٣] ٣٧ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ) هُوَ أَبُو عَبْدِ الرحمن المقرئ

<<  <  ج: ص:  >  >>