التَّعَبِ وَالتَّغْيِيرِ وَالْغُبَارِ (فَأَلْزَقَ رُكْبَتَهُ بِرُكْبَتِهِ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ بِرُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ
قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ الرَّجُلَ الدَّاخِلَ وَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْ نَفْسِهِ وَجَلَسَ عَلَى هَيْئَةِ الْمُتَعَلِّمِ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَفِي رِوَايَةٍ لِسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ لَيْسَ عَلَيْهِ سَحْنَاءُ السَّفَرِ وَلَيْسَ مِنَ الْبَلَدِ
فَتَخَطَّى حَتَّى بَرَكَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا يَجْلِسُ أَحَدُنَا فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رُكْبَتَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وكذا في حديث بن عَبَّاسٍ وَأَبِي عَامِرٍ الْأَشْعَرِيِّ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رُكْبَتَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ عَلَى فَخِذَيْهِ يَعُودُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ جَزَمَ الْبَغَوِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ التَّيْمِيُّ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَرَجَّحَهُ الطِّيبِيُّ بَحْثًا لِأَنَّهُ نَسَقُ الْكَلَامِ خِلَافًا لِمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ وَوَافَقَهُ التُّورْبَشْتِيُّ لِأَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّهُ جَلَسَ كَهَيْئَةِ الْمُتَعَلِّمِ بَيْنَ يَدَيْ مَنْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا مِنَ السِّيَاقِ لَكِنَّ وَضْعَهُ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنِيعٌ مُنَبِّهٌ لِلْإِصْغَاءِ إِلَيْهِ (ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ مَا الْإِيمَانُ) فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ بَدَأَ بِالسُّؤَالِ قَبْلَ السَّلَامِ أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُبَالَغَةً فِي التَّعْمِيَةِ لِأَمْرِهِ أَوْ لِيُبَيِّنَ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ أَوْ سَلَّمَ فَلَمْ يَنْقُلْهُ الرَّاوِي
قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَقَدْ ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ أَبِي فَرْوَةَ فَفِيهَا بَعْدَ قَوْلِهِ كَأَنَّ ثِيَابَهُ لَمْ يَمَسَّهَا دَنَسٌ حَتَّى سَلَّمَ مِنْ طَرَفِ الْبِسَاطِ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ قَالَ أُدْنُوا يَا مُحَمَّدُ قَالَ ادْنُ فَمَا زَالَ يَقُولُ أَدْنُو مِرَارًا وَيَقُولُ لَهُ ادْنُ وَنَحْوِهِ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ عَنِ بن عُمَرَ لَكِنْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَفِي رِوَايَةٍ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ أَدْنُو مِنْكَ قَالَ ادْنُ وَلَمْ يَذْكُرِ السلام فاختلفت الروايات هل سلم أولا فَمَنْ ذَكَرَ السَّلَامَ مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْ سَكَتَ عَنْهُ (قَالَ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ) أَيْ بِوُجُودِهِ وَأَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ مُنَزَّهٌ عَنْ صِفَاتِ النَّقْصِ (وَمَلَائِكَتِهِ) الْإِيمَانُ بِالْمَلَائِكَةِ هُوَ التَّصْدِيقُ بِوُجُودِهِمْ وَأَنَّهُمْ كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادٌ مُكْرَمُونَ وَقَدَّمَ الْمَلَائِكَةَ عَلَى الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ نَظَرًا لِلتَّرْتِيبِ الْوَاقِعِ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَرْسَلَ الْمَلَكَ بِالْكِتَابِ إِلَى الرَّسُولِ وَلَيْسَ فِيهِ مُتَمَسَّكٌ لِمَنْ فَضَّلَ الْمَلَكَ عَلَى الرَّسُولِ (وَكُتُبِهِ) الْإِيمَانُ بِكُتُبِ اللَّهِ التَّصْدِيقُ بِأَنَّهَا كَلَامُ اللَّهِ وَأَنَّ مَا تَضَمَّنَتْهُ حَقٌّ (وَرُسُلِهِ) الْإِيمَانُ بِالرُّسُلِ التَّصْدِيقُ بِأَنَّهُمْ صَادِقُونَ فِيمَا أَخْبَرُوا بِهِ عَنِ اللَّهِ وَدَلَّ الْإِجْمَالُ فِي الْمَلَائِكَةِ وَالْكُتُبِ وَالرُّسُلِ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ في الإيمان بهم غَيْرِ تَفْصِيلٍ إِلَّا مَنْ ثَبَتَتْ تَسْمِيَتُهُ فَيَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ عَلَى التَّعْيِينِ (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الْمُرَادُ بِالْإِيمَانِ بِهِ التَّصْدِيقُ بِمَا يَقَعُ فِيهِ مِنَ الْحِسَابِ وَالْمِيزَانِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ (وَالْقَدَرِ) مَصْدَرٌ تَقُولُ قَدَرْتُ الشَّيْءَ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا أَقْدِرُهُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ قَدْرًا وَقَدَرًا إِذَا أَحَطْتُ بِمِقْدَارِهِ
وَالْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلِمَ مَقَادِيرَ الْأَشْيَاءِ وَأَزْمَانَهَا قَبْلَ إِيجَادِهَا ثُمَّ أَوْجَدَ مَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّهُ يُوجَدُ فَكُلُّ مُحْدَثٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute