للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثَانِيهَا أَنَّهُ كَانَ أَكْثَرُ مُقَامِهِ بَعْدَ فُتُوحِ الْأَمْصَارِ بِمِصْرَ أَوْ بِالطَّائِفِ وَلَمْ تَكُنِ الرِّحْلَةُ إِلَيْهِمَا مِمَّنْ يَطْلُبُ الْعِلْمَ كَالرِّحْلَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ مُتَصَدِّيًا فِيهَا لِلْفَتْوَى وَالتَّحْدِيثِ إِلَى أَنْ مَاتَ

وَيَظْهَرُ هَذَا مِنْ كَثْرَةِ مَنْ حَمَلَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَدْ ذَكَرَ البخاري أنه روى عنه ثمان مائة نَفْسٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَلَمْ يَقَعْ هَذَا لِغَيْرِهِ

ثَالِثُهَا مَا اخْتَصَّ بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ دَعْوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بِأَنَّهُ لَا يَنْسَى مَا يُحَدِّثُهُ بِهِ

رَابِعُهَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ قَدْ ظَفِرَ فِي الشَّامِ بِحِمْلِ جَمَلٍ مِنْ كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَكَانَ يَنْظُرُ فِيهَا وَيُحَدِّثُ مِنْهَا فَتَجَنَّبَ الْأَخْذَ عَنْهُ لِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ

قَالَهُ الْحَافِظُ

وَقَالَ قَوْلُهُ وَلَا أَكْتُبُ قَدْ يُعَارِضُهُ ما أخرجه بن وَهْبٍ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ تُحُدِّثَ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِحَدِيثٍ فَأَخَذَ بِيَدَيَّ إِلَى بَيْتِهِ فَأَرَانَا كُتُبًا مِنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ هَذَا هو مكتوب عندي قال بن عَبْدِ الْبَرِّ حَدِيثُ هَمَّامٍ أَصَحُّ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَكْتُبُ فِي الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ ثُمَّ كَتَبَ بَعْدَهُ

قَالَ الْحَافِظُ وَأَقْوَى مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْحَدِيثِ مَكْتُوبًا عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ مَكْتُوبًا بِخَطِّهِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَكْتُبُ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمَكْتُوبَ بِغَيْرِ خَطِّهِ وَقَالَ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ يَعْنِي مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ يَعْنِي الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ الصَّحِيفَةِ وَمِنْ قِصَّةِ أَبِي شَاهٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذَّنَ في كناية الْحَدِيثِ عَنْهُ وَهُوَ يُعَارِضُ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَكْتُبُوا عَنِّي شَيْئًا غَيْرَ الْقُرْآنِ

رَوَاهُ مُسْلِمٌ

وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ النَّهْيَ خَاصٌّ بِوَقْتِ نُزُولِ الْقُرْآنِ خَشْيَةَ الْتِبَاسِهِ بِغَيْرِهِ وَالْإِذْنَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ أَوْ أَنَّ النَّهْيَ خَاصٌّ بِكِتَابَةِ غَيْرِ الْقُرْآنِ مَعَ الْقُرْآنِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ

وَالْإِذْنَ فِي تَفْرِيقِهَا أَوِ النَّهْيَ مُتَقَدِّمٌ وَالْإِذْنَ نَاسِخٌ لَهُ عِنْدَ الْأَمْنِ مِنَ الِالْتِبَاسِ وَهُوَ أَقْرَبُهَا مَعَ أَنَّهُ لَا يُنَافِيهَا

وَقِيلَ النَّهْيُ خَاصٌّ بِمَنْ خُشِيَ مِنْهُ الِاتِّكَالُ عَلَى الْكِتَابَةِ دُونَ الْحِفْظِ وَالْإِذْنُ لِمَنْ أُمِنَ مِنْهُ ذَلِكَ

وَمِنْهُمْ مَنْ أَعَلَّ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ وَقَالَ الصَّوَابُ وَقْفُهُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ قَالَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ

قَالَ الْعُلَمَاءُ كَرِهَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كِتَابَةَ الْحَدِيثِ وَاسْتَحَبُّوا أَنْ يُؤْخَذَ عَنْهُمْ حِفْظًا كَمَا أَخَذُوا حِفْظًا لَكِنْ لَمَّا قَصُرَتِ الْهِمَمُ وَخَشِيَ الْأَئِمَّةُ ضَيَاعَ الْعِلْمِ دونوه وأول من دون الحديث بن شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ بِأَمْرِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثُمَّ كَثُرَ التَّدْوِينُ ثُمَّ التَّصْنِيفُ وَحَصَلَ بِذَلِكَ خَيْرٌ كَثِيرٌ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>