واخفض لهما جناح الذل من الرحمة أَيْ تَوَاضَعْ لَهُمَا أَوِ الْمُرَادُ الْكَفُّ عَنِ الطَّيَرَانِ وَالنُّزُولُ لِلذِّكْرِ كَقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَفَّتْ بِهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ مَعْنَاهُ الْمَعُونَةُ وتيسير المؤونة بِالسَّعْيِ فِي طَلَبِهِ أَوِ الْمُرَادُ تَلْيِينُ الْجَانِبِ وَالِانْقِيَادُ وَالْفَيْءُ عَلَيْهِ بِالرَّحْمَةِ وَالِانْعِطَافِ أَوِ الْمُرَادُ حَقِيقَتُهُ وَإِنْ لَمْ تُشَاهَدْ وَهِيَ فَرْشُ الْجَنَاحِ وَبَسْطُهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ لِتَحْمِلَهُ عَلَيْهَا وَتَبْلُغَهُ مَقْعَدَهُ مِنَ الْبِلَادِ نَقَلَهُ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ وَنَقَلَ بن الْقَيِّمِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ
قَالَ كُنَّا عِنْدَ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ بِالْبَصْرَةِ فَحَدَّثَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ وفي المجلس شخص من المعتزلة فجعل يستهزىء بِالْحَدِيثِ فَقَالَ وَاللَّهِ لَأَطْرُقَنَّ غَدًا نَعْلِي وَأَطَأُ بِهَا أَجْنِحَةَ الْمَلَائِكَةِ فَفَعَلَ وَمَشَى فِي النَّعْلَيْنِ فَحُفَّتْ رِجْلَاهُ وَوَقَعَتْ فِيهِمَا الْأَكَلَةُ
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ سمعت بن يَحْيَى السَّاجِيَّ يَقُولُ كُنَّا نَمْشِي فِي أَزِقَّةِ الْبَصْرَةِ إِلَى بَابِ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ فَأَسْرَعْنَا الْمَشْيَ وَكَانَ مَعَنَا رَجُلٌ مَاجِنٌ مُتَّهَمٌ فِي دِينِهِ فَقَالَ ارْفَعُوا أَرْجُلَكُمْ عَنْ أَجْنِحَةِ الْمَلَائِكَةِ لَا تكسروها كالمستهزىء بِالْحَدِيثِ فَمَا زَالَ عَنْ مَوْضِعِهِ حَتَّى حُفَّتْ رِجْلَاهُ وَسَقَطَ إِلَى الْأَرْضِ انْتَهَى
وَالْحَفَاءُ رِقَّةُ الْقَدَمِ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ وَفِي رِوَايَةٍ فِي السُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ أَطْلُبُ الْعِلْمَ
قَالَ مَرْحَبًا بِطَالِبِ الْعِلْمِ إِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ لَتَحُفُّ بِهِ الْمَلَائِكَةُ وَتُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا فَيَرْكَبُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ حَتَّى تَبْلُغَ السَّمَاءَ الدُّنْيَا من حبهم لما يطلب
نقله الشيخ بن الْقَيِّمِ وَقَالَ الْحَاكِمُ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ) قَالَ الطِّيبِيُّ هُوَ مَجَازٌ مِنْ إِرَادَةِ اسْتِقَامَةِ حَالِ الْمُسْتَغْفَرِ له انتهى
قال القارىء وَالْحَقِيقَةُ أَوْلَى (حَتَّى الْحِيتَانُ) جَمْعُ الْحُوتِ خُصَّ لِدَفْعِ إِيهَامِ أَنَّ مَنْ فِي الْأَرْضِ لَا يَشْمَلُ مَنْ فِي الْبَحْرِ كَذَا قِيلَ (وَفَضْلُ الْعَالِمِ) أَيِ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ وَهُوَ الَّذِي يَقُومُ بِنَشْرِ الْعِلْمِ بَعْدَ أَدَائِهِ مَا تَوَجَّهَ إِلَيْهِ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ (عَلَى الْعَابِدِ) أَيِ الْغَالِبِ عَلَيْهِ الْعِبَادَةُ وَهُوَ الَّذِي يَصْرِفُ أَوْقَاتَهُ بِالنَّوَافِلِ مَعَ كَوْنِهِ عَالِمًا بِمَا تَصِحُّ بِهِ الْعِبَادَةُ (كَفَضْلِ الْقَمَرِ) أَيْ لَيْلَةَ الْبَدْرِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ (عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ) قَالَ الْقَاضِي شَبَّهَ الْعَالِمَ بِالْقَمَرِ وَالْعَابِدَ بِالْكَوَاكِبِ لِأَنَّ كَمَالَ الْعِبَادَةِ وَنُورَهَا لَا يَتَعَدَّى مِنَ الْعَابِدِ وَنُورُ الْعَالِمِ يَتَعَدَّى إِلَى غَيْرِهِ (إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ) وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ وَرَثَةُ الرُّسُلِ ليشمل الكل
قاله بن الْمَلِكِ (لَمْ يُوَرِّثُوا) بِالتَّشْدِيدِ مِنَ التَّوْرِيثِ (دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا) أَيْ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا وَخُصَّا لِأَنَّهُمَا أَغْلَبُ أَنْوَاعِهَا وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى زَوَالِ الدُّنْيَا وَأَنَّهُمْ لَمْ يَأْخُذُوا مِنْهَا إِلَّا بِقَدْرِ ضَرُورَتِهِمْ فَلَمْ يُوَرِّثُوا شَيْئًا مِنْهَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَطْلُبُونَ شَيْئًا مِنْهَا يُورَثُ عَنْهُمْ (فَمَنْ أَخَذَ بِهِ) أَيْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute