وَالِاسْتِئْذَانِ (فَقَامَ إِلَيْهِ) أَيْ مُتَوَجِّهًا إِلَيْهِ (عُرْيَانًا يَجُرُّ ثَوْبَهُ) أَيْ رِدَاءَهُ مِنْ كَمَالِ فَرَحِهِ بِقُدُومِهِ وَمَأْتَاهُ
قَالَ فِي الْمَفَاتِيحِ تُرِيدُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ سَاتِرًا مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ وَلَكِنْ سَقَطَ رِدَاءَهُ عَنْ عَاتِقِهِ فَكَانَ مَا فَوْقَ سُرَّتِهِ عُرْيَانًا انْتَهَى (وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُهُ عُرْيَانًا) أَيْ يَسْتَقْبِلُ أَحَدًا (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ (وَلَا بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ (فَاعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَهُ) فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ تَحْلِفُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَرَهُ عُرْيَانًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مَعَ طُولِ الصُّحْبَةِ وَكَثْرَةِ الِاجْتِمَاعِ فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ قِيلَ لَعَلَّهَا أَرَادَتْ عُرْيَانًا اسْتَقْبَلَ رَجُلًا وَاعْتَنَقَهُ فَاخْتَصَرَتِ الْكَلَامَ لِدَلَالَةِ الْحَالِ أَوْ عُرْيَانًا مِثْلَ ذَلِكَ الْعُرْيِ وَاخْتَارَ الْقَاضِي الْأَوَّلَ
وَقَالَ الطِّيبِيُّ هَذَا هُوَ الْوَجْهُ لِمَا يُشَمُّ مِنْ سِيَاقِ كَلَامِهَا رَائِحَةُ الْفَرَحِ وَالِاسْتِبْشَارِ بِقُدُومِهِ وَتَعْجِيلِهِ لِلِقَائِهِ بِحَيْثُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَمَامِ التَّرَدِّي بِالرِّدَاءِ حَتَّى جَرَّهُ وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ مِثْلُ هَذَا انْتَهَى
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وَفِي الْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّةُ الْمُعَانَقَةِ لِلْقَادِمِ مِنَ السَّفَرِ وَهُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ وَقَدْ وَرَدَ أَيْضًا فِي الْمُعَانَقَةِ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ رَجُلٍ مِنْ عَنَزَةَ لَمْ يُسَمَّ
قَالَ قُلْتُ لِأَبِي ذَرٍّ هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَافِحُكُمْ إِذَا لَقِيتُمُوهُ قَالَ مَا لَقِيتُهُ قَطُّ إِلَّا صَافَحَنِي وَبَعَثَ إِلَيَّ ذَاتَ يَوْمٍ فَلَمْ أَكُنْ فِي أَهْلِي فَلَمَّا جِئْتُ أُخْبِرْتُ أَنَّهُ أَرْسَلَ إِلَيَّ فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ عَلَى سَرِيرِهِ فَالْتَزَمَنِي فَكَانَ أَجْوَدَ وَأَجْوَدَ وَأَجْوَدَ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا هَذَا الرَّجُلَ الْمُبْهَمَ
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ كَانُوا إِذَا تَلَاقَوْا تَصَافَحُوا وَإِذَا قَدِمُوا مِنْ سَفَرٍ تَعَانَقُوا
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ بَلَغَنِي عَنْ رَجُلٍ حَدِيثٌ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاشْتَرَيْتُ بَعِيرًا ثُمَّ شَدَدْتُ رَحْلِي فَسِرْتُ إِلَيْهِ شَهْرًا حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ فَقُلْتُ لِلْبَوَّابِ قل له جابر على الباب فقال بن عَبْدِ اللَّهِ قُلْتُ نَعَمْ
فَخَرَجَ فَاعْتَنَقَنِي فَقُلْتُ حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَشِيتُ الْحَدِيثَ
فَإِنْ قُلْتَ مَا وَجْهُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا وَبَيْنَ حَدِيثِ أَنَسٍ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ الْمُعَانَقَةِ قُلْتُ حَدِيثُ أَنَسٍ لِغَيْرِ الْقَادِمِ مِنَ السَّفَرِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ لِلْقَادِمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) ذَكَرَ الْحَافِظُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْفَتْحِ وَنَقَلَ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ لَهُ وَسَكَتَ عَنْهُ