للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَنْ ظَاهِرِهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِصَامٍ فِيهِ بِنَقْلٍ مِنَ الشَّارِعِ وَمِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ تَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ دَلِيلٍ عَقْلِيٍّ وَنَقَلَ الطِّيبِيُّ عَنِ التوربشتي أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّأْيِ مَا لَا يَكُونُ مُؤَسَّسًا عَلَى عُلُومِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بَلْ يَكُونُ قَوْلًا تَقَوَّلَهُ بِرَأْيِهِ عَلَى مَا يَقْتَضِيه عَقْلُهُ وَعِلْمُ التَّفْسِيرِ يُؤْخَذُ مِنْ أَفْوَاهِ الرِّجَالِ كَأَسْبَابِ النُّزُولِ وَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَمِنْ أَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ وَتَأْوِيلَاتِهِمْ بِالْمَقَايِيسِ الْعَرَبِيَّةِ كَالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَالْمُجْمَلِ وَالْمُفَصَّلِ وَالْعَامِّ وَالْخَاصِّ ثُمَّ يَتَكَلَّمُ عَلَى حَسْبِ مَا يقتضيه أصول الدين فيأول الْقِسْمَ الْمُحْتَاجَ إِلَى التَّأْوِيلِ عَلَى وَجْهٍ يَشْهَدُ بِصِحَّتِهِ ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ فَمَنْ لَمْ يَسْتَجْمِعْ هَذِهِ الشرائط كان قوله مهجورا وحسبه من الزاجر أنه مخطىء عند الاصابة فيابعد مَا بَيْنَ الْمُجْتَهِدِ وَالْمُتَكَلِّفِ فَالْمُجْتَهِدُ مَأْجُورٌ عَلَى الْخَطَأِ وَالْمُتَكَلِّفُ مَأْخُوذٌ بِالصَّوَابِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ

وَقَالَ النَّيْسَابُورِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ بِالرَّأْيِ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى النَّقْلِ وَالْمَسْمُوعِ وَتَرْكُ الِاسْتِنْبَاطِ أَوِ الْمُرَادُ بِهِ أَمْرٌ آخَرُ وَبَاطِلٌ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ أَحَدٌ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا بِمَا سَمِعَهُ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَدْ فَسَّرُوا الْقُرْآنَ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ عَلَى وُجُوهٍ وَلَيْسَ كُلُّ مَا قَالُوهُ سَمِعُوهُ كَيْفَ وَقَدْ دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ عَبَّاسٍ اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ فَإِنْ كَانَ التَّأْوِيلُ مَسْمُوعًا كَالتَّنْزِيلِ فَمَا فَائِدَةُ تَخْصِيصِهِ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا النَّهْيُ يُحْمَلُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الشَّيْءِ رأي وإليه ميل من طبعه وهواه فيأول الْقُرْآنَ عَلَى وِفْقِ هَوَاهُ لِيَحْتَجَّ عَلَى تَصْحِيحِ غَرَضِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ الرَّأْيُ وَالْهَوَى لَا يَلُوحُ لَهُ مِنَ الْقُرْآنِ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَهَذَا قَدْ يَكُونُ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ لَيْسَ ذَلِكَ وَلَكِنْ يُلَبِّسُ عَلَى خَصْمِهِ وَقَدْ يَكُونُ مَعَ الْجَهْلِ وَذَلِكَ إِذَا كَانَتِ الْآيَةُ مُحْتَمِلَةً فَيَمِيلُ فَهْمُهُ إِلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُوَافِقُ غَرَضَهُ وَيَتَرَجَّحُ ذَلِكَ الْجَانِبُ بِرَأْيِهِ وَهَوَاهُ وَلَوْلَا رَأْيُهُ لَمَا كَانَ يَتَرَجَّحُ عِنْدَهُ ذَلِكَ الْوَجْهُ وَقَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ فَيَطْلُبُ لَهُ دَلِيلًا مِنَ الْقُرْآنِ وَيَسْتَدِلُّ عَلَيْهِ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مَا أُرِيدَ بِهِ كَمَنْ يَدْعُو إِلَى مُجَاهِدَةِ الْقَلْبِ الْقَاسِي فَيَقُولُ الْمُرَادُ بِفِرْعَوْنَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى اذْهَبْ إِلَى فرعون إنه طغى هُوَ النَّفْسُ

الْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَتَسَارَعَ إِلَى تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ بِظَاهِرِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِظْهَارٍ بِالسَّمَاعِ وَالنَّقْلِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِغَرِيبِ الْقُرْآنِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُبْهَمَةِ وَالِاخْتِصَارِ وَالْحَذْفِ وَالْإِضْمَارِ وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَالنَّقْلُ وَالسَّمَاعُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي ظَاهِر التَّفْسِيرِ أَوَّلًا لِيَتَّقِيَ بِهِ مَوَاضِعَ الْغَلَطِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَّسِعُ لِلتَّفْهِيمِ وَالِاسْتِنْبَاطِ

وَالْغَرَائِبُ الَّتِي لَا تُفْهَمُ إِلَّا بِالسَّمَاعِ كَثِيرَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بها مَعْنَاهُ آيَةً مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِقَتْلِهَا فَالنَّاظِرُ إِلَى ظَاهِرِ الْعَرَبِيَّةِ يَظُنُّ الْمُرَادَ أَنَّ النَّاقَةَ كَانَتْ مُبْصِرَةً وَلَمْ تَكُنْ عَمْيَاءَ وَمَا يَدْرِي بِمَا ظَلَمُوا وَأَنَّهُمْ ظَلَمُوا غَيْرَهُمْ أَوْ أَنْفُسَهُمْ

وَمَا عَدَا هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَلَا يَتَطَرَّقُ النَّهْيُ إِلَيْهِ مَا دَامَ عَلَى قَوَانِينِ الْعُلُومِ الْعَرَبِيَّةِ والقواعد الأصلية

<<  <  ج: ص:  >  >>