رَغْبَتَهُمَا فِي الْجِهَادِ مَعَ ضَرَرِهِمَا فَنَزَلَتْ غَيْرُ أولي الضرر فَجَعَلَ لَهُمَا مِنَ الْأَجْرِ مَا لِلْمُجَاهِدِينَ انْتَهَى
اعلم أَنَّ الْحَافِظَ قَدْ نَقَلَ فِي الْفَتْحِ حديث بن عَبَّاسٍ هَذَا عَنِ التِّرْمِذِيِّ بِتَمَامِهِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا أَوْرَدَهُ التِّرْمِذِيُّ سِيَاقًا وَاحِدًا وَمِنْ قَوْلِهِ دَرَجَةً إِلَخْ مُدْرَجٌ في الخبر من كلام بن جُرَيْجٍ بَيَّنَهُ الطَّبَرِيُّ فَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجٍ نَحْوَ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ إِلَى قَوْلِهِ دَرَجَةً وَوَقَعَ عِنْدَهُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَأَبُو أَحْمَدَ بْنُ جَحْشٍ وَهُوَ الصَّوَابُ في بن جَحْشٍ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَخُوهُ وَأَمَّا هُوَ فَاسْمُهُ عَبْدٌ بِغَيْرِ إِضَافَةٍ وَهُوَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثم أخرجه بالسند المذكور عن بن جُرَيْجٍ قَالَ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا درجات منه قَالَ عَلِيٌّ الْقَاعِدِينَ مِنَ الْمُؤْمِنَينَ غَيْرُ أُولِي الضرر
وحاصل تفسير بن جُرَيْجٍ أَنَّ الْمُفَضَّلَ عَلَيْهِ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ أَمَّا أُولُو الضَّرَرِ فَمُلْحَقُونَ فِي الْفَضْلِ بِأَهْلِ الْجِهَادِ إِذَا صَدَقَتْ نِيَّاتُهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَغَازِي مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَأَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مِنْ مَسِيرٍ وَلَا قَطَعْتُمْ مِنْ وَادٍ إِلَّا وَهُمْ مَعَكُمْ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ
ويَحْتَمِلُ أن يكون المراد بقوله فضل الله المجاهدين على القاعدين درجة أي من أولي الضرر وغيرهم
وقوله وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا درجات منه أَيْ عَلَى الْقَاعِدِينَ مِنْ غَيْرِ أُولِي الضَّرَرِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ عَنْ أَنَسٍ وَلَا مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ مِنَ اسْتِوَاءِ أُولِي الضَّرَرِ مَعَ الْمُجَاهِدِينَ لِأَنَّهَا اسْتَثْنَتْ أُولِي الضَّرَرِ مِنْ عَدَمِ الِاسْتِوَاءِ فَأَفْهَمَتْ إِدْخَالَهُمْ فِي الِاسْتِوَاءِ إِذًا لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الِاسْتِوَاءِ وَعَدَمِهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ اسْتِوَاؤُهُمْ فِي أَصْلِ الثَّوَابِ لَا فِي الْمُضَاعَفَةِ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
وَفِي تَفْسِيرِ الْجَلَالَيْنِ لَا يَسْتَوِي القاعدون من المؤمنين عن الجهاد غير أولي الضرر بِالرَّفْعِ صِفَةٌ وَالنَّصْبِ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ زَمَانَةٍ أَوْ عَمًى وَنَحْوِهِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى القاعدين لِضَرَرٍ دَرَجَةً فَضِيلَةً لِاسْتِوَائِهِمَا فِي النِّيَّةِ وَزِيَادَةِ الْمُجَاهِدِ بِالْمُبَاشَرَةِ وَكُلًّا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ وَعَدَ اللَّهُ الحسنى الجنة وفضل الله المجاهدين على القاعدين لِغَيْرِ ضَرَرٍ أَجْرًا عَظِيمًا وَيُبْدَلُ مِنْهُ دَرَجَاتٍ مِنْهُ مَنَازِلَ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ مِنَ الْكَرَامَةِ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً مَنْصُوبَتَانِ بِفِعْلِهِمَا الْمُقَدَّرِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا لِأَوْلِيَائِهِ رَحِيمًا بِأَهْلِ طَاعَتِهِ انْتَهَى
قَالَ فِي الْكَمَالَيْنِ فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى فَضَّلَ الله المجاهدين على القاعدين
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute