قوله (في المعاصي) أي من الزنى وَصَيْدِ يَوْمِ السَّبْتِ وَغَيْرِهِمَا (فَنَهَتْهُمْ عُلَمَاؤُهُمْ) أَيْ أَوَّلًا (فَلَمْ يَنْتَهُوا) أَيْ فَلَمْ يَقْبَلُوا النَّهْيَ وَلَمْ يَتْرُكُوا الْمَنْهِيَّ (فَجَالَسُوهُمْ) أَيِ الْعُلَمَاءُ (فِي مَجَالِسِهِمْ) أَيْ مَجَالِسِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْعُصَاةِ وَمَسَاكِنِهِمْ (وَوَاكَلُوهُمْ) مِنَ الْمُوَاكَلَةِ مُفَاعَلَةٌ لِلْمُشَارَكَةِ فِي الْأَكْلِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَشَارَبُوهُمْ (فَضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ بِبَعْضٍ
قَالَ القارىء أَيْ خَلَطَ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ يُقَالُ ضَرَبَ اللَّبَنَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ أَيْ خَلَطَهُ ذَكَرَهُ الرَّاغِبُ
وقال بن الْمَلَكِ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ سَوَّدَ اللَّهُ قَلْبَ مَنْ لَمْ يَعْصِ بِشُؤْمِ مَنْ عَصَى فَصَارَتْ قُلُوبُ جَمِيعِهِمْ قَاسِيَةً بَعِيدَةً عَنْ قَبُولِ الْحَقِّ وَالْخَيْرِ أَوِ الرَّحْمَةِ بِسَبَبِ الْمَعَاصِي وَمُخَالَطَةِ بَعْضِهِمْ بعضا
انتهى
قال القارىء وَقَوْلُهُ قَلْبَ مَنْ لَمْ يَعْصِ لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ لِأَنَّ مُوَاكَلَتَهُمْ وَمُشَارَبَتَهُمْ مِنْ إِكْرَاهٍ وَإِلْجَاءٍ بَعْدَ عَدَمِ انْتِهَائِهِمْ عَنْ مَعَاصِيهمْ مَعْصِيَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْبُغْضِ فِي اللَّهِ أَنْ يَبْعُدُوا عنهم ويهاجروهم ويقاطعوهم ولم يواصلوهم (وَلَعَنَهُمْ) أَيِ الْعَاصِينَ وَالسَّاكِتِينَ الْمُصَاحِبِينَ (عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ) بِأَنْ دَعَا عَلَيْهِمْ فَمُسِخُوا قِرَدَةً وَهُمْ أصحاب أيلة (وعيسى بن مَرْيَمَ) بِأَنْ دَعَا عَلَيْهِمْ فَمُسِخُوا خَنَازِيرَ وَهُمْ أَصْحَابُ الْمَائِدَةِ (ذَلِكَ) أَيِ اللَّعْنُ (بِمَا عَصَوْا) أَيْ بِسَبَبِ عِصْيَانِهِمْ مُبَاشَرَةً وَمُعَاشَرَةً (وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) أي يتجاوزون عن الحد (قال) أي بن مسعود (فجلس رسول الله وَكَانَ مُتَّكِئًا) أَيْ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ أَوْ مُسْتَنِدًا إِلَى ظَهْرِهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَجَلَسَ مُسْتَوِيًا لِلِاهْتِمَامِ بِإِتْمَامِ الْكَلَامِ (فَقَالَ لَا) أَيْ لَا تُعْذَرُونَ أَوْ لَا تَنْجُونَ مِنَ الْعَذَابِ أَنْتُمْ أَيُّهَا الْأُمَّةُ خَلَفَ أَهْلِ تِلْكَ الْأُمَّةِ (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى تَأْطِرُوهُمْ) بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَيُبَدَّلُ وَبِكَسْرِ الطَّاءِ (أَطْرًا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِلتَّأْكِيدِ أَيْ حَتَّى تَمْنَعُوا أَمْثَالَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَعْصِيَةِ
قَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَيْ لَا تَنْجُونَ مِنَ الْعَذَابِ حَتَّى تَمِيلُوهُمْ مِنْ جَانِبٍ إِلَى جَانِبٍ مِنْ أَطَرْتُ الْقَوْسَ آطِرُهَا بِكَسْرِ طَاءٍ أَطْرًا بِسُكُونِهَا إِذَا حَنَيْتهَا أَيْ تَمْنَعُوهُمْ مِنَ الظُّلْمِ وَتُمِيلُوهُمْ عَنِ الْبَاطِلِ إِلَى الْحَقِّ
وَقَالَ الطيبي حتى متعلقة بلا كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ لَهُ عِنْدَ ذِكْرِ مَظَالِمِ بَنِي إِسْرَائِيلَ هَلْ يُعْذَرُ فِي تَخْلِيَةِ الظَّالِمِينَ وَشَأْنِهُمْ فَقَالَ لَا حَتَّى تَأْطِرُوهُمْ وَتَأْخُذُوا عَلَى أَيْدِيهمْ
وَالْمَعْنَى لَا تُعْذَرُونَ حَتَّى تُجْبِرُوا الظَّالِمَ عَلَى الْإِذْعَانِ لِلْحَقِّ وَإِعْطَاءِ النَّصَفَةِ لِلْمَظْلُومِ
وَالْيَمِينُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ لَا وَحَتَّى وَلَيْسَتْ لَا هَذِهِ بِتِلْكَ الَّتِي يَجِيءُ بِهَا الْمُقْسِمُ تَأْكِيدًا لِقَسَمِهِ انتهى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute