للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال قَائِلُونَ إِنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ فَرَوَى لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ (أنزل علينا مائدة من السماء) قَالَ هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ وَلَمْ يَنْزِلْ شيء رواه بن أبي حاتم وبن جرير

وقال حدثنا بن الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَائِدَةِ إِنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ وَهَذِهِ أَسَانِيدُ صَحِيحَةٌ إِلَى مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ

وَقَدْ يَتَقَوَّى ذَلِكَ بِأَنَّ خَبَرَ الْمَائِدَةِ لَا تَعْرِفُهُ النَّصَارَى وَلَيْسَ هُوَ فِي كِتَابِهِمْ وَلَوْ كَانَتْ قَدْ نَزَلَتْ لَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ وَكَانَ يَكُونُ مَوْجُودًا فِي كِتَابِهِمْ مُتَوَاتِرًا وَلَا أَقَلَّ مِنَ الْآحَادِ وَلَكِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أنها نزلت وهو الذي اختاره بن جَرِيرٍ قَالَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ نُزُولَهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أعذبه أحدا من العالمين قَالَ وَوَعْدُ اللَّهِ وَوَعِيدُهُ حَقٌّ وَصِدْقٌ وَهَذَا الْقَوْلُ واللَّهُ أَعْلَمُ هُوَ الصَّوَابُ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَخْبَار وَالْآثَارُ عَنِ السَّلَفِ وَغَيْرِهِمْ انْتَهَى كَلَامُهُ بِاخْتِصَارٍ يَسِيرٍ

قَوْلُهُ (يُلَقَّى عِيسَى حُجَّتَهُ) أَيْ يُعَلَّمُ وَيُنَبَّهُ عَلَيْهَا وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يا عيسى بن مَرْيَمَ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي وَقْتِ هَذَا الْقَوْلِ فَقَالَ السُّدِّيُّ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى هَذَا الْقَوْلُ حِينَ رَفَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ بِدَلِيلِ أَنَّ حَرْفَ إِذْ يَكُونُ لِلْمَاضِي

وَقَالَ سَائِرُ الْمُفَسِّرِينَ إِنَّمَا يَقُولُ اللَّهُ لَهُ هَذَا الْقَوْلَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ وَذَلِكَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَبِدَلِيلِ قَوْلِهِ هَذَا يَوْمُ ينفع الصادقين صدقهم وَذَلِكَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ

وَأُجِيبَ عَنْ حَرْفِ إِذْ بِأَنَّهَا قَدْ تَجِيءُ بِمَعْنَى إِذَا كَقَوْلِهِ لَوْ ترى إذ فزعوا يَعْنِي إِذَا فُزِعُوا وَقَالَ الرَّاجِزُ ثُمَّ جَزَاكَ اللَّهُ عَنِّي إِذْ جَزَى جَنَّاتِ عَدْنٍ فِي السماواتَ الْعُلَى أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إلهين من دون الله اسْتِفْهَامٌ وَمَعْنَاهُ الْإِنْكَارُ وَالتَّوْبِيخُ لِمَنِ ادَّعَى ذَلِكَ عَلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ النَّصَارَى لِأَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَقُلْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ فَإِنْ قُلْتَ إِذَا كَانَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَقُلْهَا فَمَا وَجْهُ هَذَا السُّؤَالِ لَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ قُلْتُ وَجْهُ هَذَا السُّؤَالِ تَثْبِيتُ الْحُجَّةِ عَلَى قَوْمِهِ وَإِكْذَابٌ لَهُمْ فِي ادِّعَائِهِمْ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ أَمَرَهُمْ به فهو كما يقول القائل الاخر أَفَعَلْتَ كَذَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ تَعْظِيمَ ذَلِكَ الْفِعْلِ فَنَفَى عَنْ نَفْسِهِ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَقَالَ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ربي وربكم فَاعْتَرَفَ بِالْعُبُودِيَّةِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِإِلَهٍ كَمَا زَعَمَتْ وَادَّعَتْ فِيهِ النَّصَارَى

<<  <  ج: ص:  >  >>