سَنَةً جَعَلْتَ عُمُرَهُ (زِدْهُ مِنْ عُمُرِي) يَعْنِي مِنْ جُمْلَةِ الْأَلْفِ وَمِنْ عُمُرِي صِفَةُ أَرْبَعِينَ قُدِّمَتْ فَعَادَتْ حَالًا (أَرْبَعِينَ سَنَةً) مَفْعُولٌ ثَانٍ لِقَوْلِهِ زِدْهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا
قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ زَادَ يُسْتَعْمَلُ لَازِمًا كَقَوْلِك زَادَ الْمَاءُ وَيُسْتَعْمَلُ مُتَعَدِّيًا إِلَى مَفْعُولَيْنِ كَقَوْلِهِ زِدْتُهُ دِرْهَمًا وَعَلَى هَذَا جَاءَ قَوْلُهُ تَعَالَى فزادهم الله مرضا (أو لم يَبْقَ مِنْ عُمُرِي أَرْبَعُونَ سَنَةً) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ الْمُنْصَبِّ عَلَى نَفْيِ الْبَقَاءِ فَيُفِيدُ إِثْبَاتَهُ وَقُدِّمَتْ عَلَى الْوَاوِ لِصَدَارَتِهَا وَالْوَاوُ اسْتِئْنَافِيَّةٌ لِمُجَرَّدِ الرَّبْطِ بَيْنَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا (قَالَ) أي ملك الموت (أو لم تُعْطِهَا) أَيْ أَتَقُولُ ذَلِكَ وَلَمْ تُعْطِ الْأَرْبَعِينَ (فجحد آدم) أي ذلك لأن كَانَ فِي عَالَمِ الذَّرِّ فَلَمْ يَسْتَحْضِرْهُ حَالَةَ مَجِيءِ مَلَكِ الْمَوْتِ لَهُ (فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ) لِأَنَّ الْوَلَدَ سِرُّ أَبِيهِ (فَنَسِيَ آدَمُ فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ
وَوَقَعَ فِي الْمِشْكَاةِ وَنَسِيَ آدَمُ فَأَكَلَ مِنَ الشَّجَرَةِ فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ
قال القارىء قِيلَ نَسِيَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ جِنْسِ الشَّجَرَةِ أَوِ الشَّجَرَةِ بِعَيْنِهَا فَأَكَلَ مِنْ غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ وكان النهي عن الجنس (وخطىء) بِكَسْرِ الطَّاءِ مِنْ بَابِ سَمِعَ يَسْمَعُ أَيْ أَذْنَبَ وَعَصَى
تَنْبِيهٌ قَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا فِي آخِرِ كِتَابِ التَّفْسِيرِ وَفِيهِ قَالَ
يَا رَبِّ مَنْ هَذَا
قَالَ هَذَا ابْنُكَ دَاوُدُ وَقَدْ كَتَبْتُ لَهُ عُمُرَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ يَا رَبِّ زِدْهُ فِي عُمُرِهِ
قَالَ ذَاكَ الَّذِي كُتِبَ لَهُ
قَالَ أَيْ رَبِّي فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُ لَهُ مِنْ عُمُرِي سِتِّينَ سَنَةً
قَالَ أَنْتَ وَذَاكَ ثُمَّ أُسْكِنَ الْجَنَّةَ مَا شَاءَ اللَّهُ
ثُمَّ أُهْبِطَ مِنْهَا وَكَانَ آدَمُ يَعُدُّ لِنَفْسِهِ
قَالَ فَأَتَاهُ مَلَكُ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُ آدَمُ قَدْ عَجَّلْتَ قَدْ كُتِبَ لِي أَلْفُ سَنَةٍ
قَالَ بَلَى وَلَكِنَّكَ جَعَلْتَ لِابْنِكَ دَاوُدَ سِتِّينَ سَنَةً فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي فِي آخِرِ كِتَابِ التَّفْسِيرِ مُخَالِفَةٌ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ مُخَالَفَةً ظاهرة
قال القارىء ويمكن الجمع بأنه جعل لَهُ مِنْ عُمُرِهِ أَوَّلًا أَرْبَعِينَ ثُمَّ زَادَ عِشْرِينَ فَصَارَ سِتِّينَ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذْ واعدنا موسى أربعين ليلة وقوله تعالى وإذا وَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ ميقات ربه أربعين ليلة
وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَتَكَرَّرَ مَأْتَى عِزْرَائِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلِامْتِحَانِ بِأَنْ جَاءَ وَبَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ سِتُّونَ فَلَمَّا جَحَدَهُ رَجَعَ إِلَيْهِ بَعْدَ بَقَاءِ أربعين على رجا أنه تذكر بعد ما تَفَكَّرَ فَجَحَدَ ثَانِيًا وَهَذَا أَبْلَغُ مِنْ بَابِ النِّسْيَانِ واللَّهُ الْمُسْتَعَانُ
وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ وَقَعَ شَكٌّ لِلرَّاوِي وَتَرَدُّدٌ فِي كَوْنِ الْعَدَدِ أَرْبَعِينَ أَوْ سِتِّينَ فَعَبَّرَ عَنْهُ تَارَةً بِالْأَرْبَعِينَ وَأُخْرَى بِالسِّتِّينَ وَمِثْلُ هَذَا وَقَعَ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَأَجَابَ عَنْهُ بِمَا ذَكَرْنَا بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ وَمَهْمَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ فَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ