للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمِنْهَا أَنَّ التَّغْلِيسَ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ ثم نسخ

وفيه هَذَا مُجَرَّدُ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَقَدْ ثَبَتَ تَغْلِيسُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَلَاةِ الْفَجْرِ إِلَى وَفَاتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْجَوَابِ فِيهِ إِنَّهُ نَسْخٌ اجْتِهَادِيٌّ مَعَ ثُبُوتِ حَدِيثِ الْغَلَسِ إِلَى وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَمِنْهَا أَنَّ الْإِسْفَارَ كَانَ مُعْتَادًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَمَسَّكُوا فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الْمَذْكُورِ

وَفِيهِ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْإِسْفَارَ كَانَ مُعْتَادًا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاطِلٌ جِدًّا بَلْ مُعْتَادُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ هُوَ التَّغْلِيسَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ وَحَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا وَأَمَّا التمسك بحديث بن مَسْعُودٍ الْمَذْكُورِ فَقَدْ عَرَفْتَ مَا فِيهِ

وَمِنْهَا أَنَّ التَّغْلِيسَ لَوْ كَانَ مُسْتَحَبًّا لَمَا اجْتَمَعَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى الْإِسْفَارِ وَقَدْ رَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ مَا اجْتَمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَيْءٍ مَا اجْتَمَعُوا عَلَى التَّنْوِيرِ

وَفِيهِ أَنَّ دَعْوَى إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى الْإِسْفَارِ بَاطِلَةٌ جِدًّا كَيْفَ وَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ التَّغْلِيسِ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ إِلَخْ وَقَالَ الْحَافِظُ بن عَبْدِ الْبَرِّ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُغْلِسُونَ كَمَا عَرَفْتَ فِي كَلَامِ بن قُدَامَةَ وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ ص ٤٠١ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانُوا يُصَلُّونَ الصُّبْحَ بِغَلَسٍ

وَرُوِيَ عَنِ الْمُهَاجِرِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى أَنْ صَلِّ الصُّبْحَ بِسَوَادٍ أَوْ قَالَ بِغَلَسٍ وَأَطِلِ الْقِرَاءَةَ

ثُمَّ قَالَ الطَّحَاوِيُّ أَفَلَا تَرَاهُ يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَكُونَ دُخُولُهُمْ فِيهَا بِغَلَسٍ وَأَنْ يُطِيلُوا الْقِرَاءَةَ فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا أَرَادَ مِنْهُ أَنْ يُدْرِكُوا الْإِسْفَارَ فَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ رُوِّينَا عَنْهُ فِي هَذَا شَيْئًا سِوَى عُمَرَ قَدْ كَانَ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْمَذْهَبِ أَيْضًا

ثُمَّ ذَكَرَ أَثَرَ أَبِي بَكْرٍ فِي تَغْلِيسِهِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَتَطْوِيلِهِ الْقِرَاءَةَ فِيهَا

ثُمَّ قَالَ فَهَذَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ دَخَلَ فِيهَا فِي وَقْتٍ غَيْرِ الْإِسْفَارِ ثُمَّ مَدَّ الْقِرَاءَةَ فِيهَا حَتَّى خِيفَ عَلَيْهِ طُلُوعُ الشَّمْسِ وَهَذَا بِحَضْرَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِقُرْبِ عَهْدِهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِفِعْلِهِ لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مُنْكِرٌ

فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى مُتَابَعَتِهِمْ لَهُ ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ مِنْ بَعْدِهِ فَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ مَنْ حَضَرَهُ مِنْهُمْ انْتَهَى

فَلَمَّا عَرَفْتَ هَذَا كُلَّهُ ظَهَرَ لَكَ ضَعْفُ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ الْمَذْكُورِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ مَعْنَى الْإِسْفَارِ أَنْ يَضِحَ الْفَجْرُ فَلَا يُشَكُّ فِيهِ وَلَمْ يَرَوْا أَنَّ مَعْنَى الْإِسْفَارِ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ) يُقَالُ وَضَحَ الْفَجْرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>