الرَّسُولِ إِلَيْهِ بِذَلِكَ (مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ) نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَيْ عَقِبَ قَتْلِ أَهْلِ الْيَمَامَةِ وَالْيَمَامَةُ بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَخِفَّةِ الْمِيمِ اسْمُ مَدِينَةٍ بِالْيَمَنِ وَكَانَ مَقْتَلُهُمْ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ وَالْمُرَادُ بِأَهْلِ الْيَمَامَةِ هُنَا مَنْ قُتِلَ بِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ فِي الْوَقْعَةِ مَعَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ وَكَانَ مِنْ شَأْنِهَا أَنَّ مُسَيْلِمَةَ ادَّعَى النبوة وقوى أمره بعد موت النبي بِارْتِدَادِ كَثِيرٍ مِنَ الْعَرَبِ فَجَهَّزَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فَحَارَبُوهُ أَشَدَّ مُحَارَبَةٍ إِلَى أَنْ خَذَلَهُ اللَّهُ وَقَتَلَهُ وَقُتِلَ فِي غُضُونِ ذَلِكَ مِنَ الصَّحَابَةِ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ قِيلَ سَبْعُمِائَةٍ وَقِيلَ أَكْثَرُ (فَإِذَا عُمَرُ) كَلِمَةُ إِذَا لِلْمُفَاجَأَةِ (عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أبي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (قَدِ اسْتَحَرَّ) بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ وَمُثَنَّاةٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَهَا حَاءٌ مُهْمَلَةٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ رَاءٍ ثَقِيلَةٍ أَيِ اشْتَدَّ وَكَثُرَ وَهُوَ اسْتَفْعَلَ مِنَ الْحَرِّ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ غَالِبًا يُضَافُ إِلَى الْحَرِّ كَمَا أَنَّ الْمَحْبُوبَ يُضَافُ إِلَى الْبَرْدِ يَقُولُونَ أسخن الله عينه وأقرعينه (وَإِنِّي لَأَخْشَى) بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ الْمُؤَكَّدَةِ بِلَامِ التَّأْكِيدِ أَيْ لَأَخَافُ (أَنْ يَسْتَحِرَّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ (فِي الْمَوَاطِنِ كُلِّهَا) أَيِ الْأَمَاكِنِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا الْقِتَالُ مَعَ الْكُفَّارِ (فَيَذْهَبَ قُرْآنٌ كَثِيرٌ) بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى يَسْتَحِرَّ
قَالَ الْحَافِظُ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ قُتِلَ فِي وَقْعَةِ الْيَمَامَةِ كَانَ قَدْ حَفِظَ الْقُرْآنَ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ مَجْمُوعَهُمْ جَمَعَهُ لَا أَنَّ كُلَّ فَرْدٍ فَرْدٍ جَمَعَهُ (كَيْفَ أَفْعَلُ شيئا لم يفعله رسول الله)
قال الخطابي وغيره يحتمل أن يكون إِنَّمَا لَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ فِي الْمُصْحَفِ لَمَّا كان يترقبه مِنْ وُرُودِ نَاسِخٍ لِبَعْضِ أَحْكَامِهِ أَوْ تِلَاوَتِهِ فلما انقضى نزوله بوفاته أَلْهَمَ اللَّهُ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ ذَلِكَ وَفَاءً لِوَعْدِهِ الصَّادِقِ بِضَمَانِ حِفْظِهِ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ زَادَهَا اللَّهُ شَرَفًا فَكَانَ ابْتِدَاءُ ذَلِكَ عَلَى يَدِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَشُورَةِ عُمَرَ
ويؤيده ما أخرجه بن أَبِي دَاوُدَ فِي الْمَصَاحِفِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ قَالَ سَمِعْتَ عَلِيًّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute