الْإِدْرَاكِ بِمَعْنَى التَّدَارُكِ (فَأَرْسَلَ) أَيْ عُثْمَانُ (إِلَى حفصة أن أرسلي النبأ بالصحف) وكانت الصحف بعد ما جَمَعَ الْقُرْآنَ أَبُو بَكْرٍ عِنْدَهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ (نَنْسَخُهَا فِي الْمَصَاحِفِ ثُمَّ نَرُدَّهَا إِلَيْكَ) أَيْ نَنْقُلُهَا وَالْمَصَاحِفُ جَمْعُ الْمُصْحَفِ بِضَمِّ الْمِيمِ
قَالَ الْحَافِظُ الْفَرْقُ بَيْنَ الصُّحُفِ وَالْمُصْحَفِ أَنَّ الصُّحُفَ الْأَوْرَاقَ الْمُجَرَّدَةَ الَّتِي جُمِعَ فِيهَا الْقُرْآنُ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ سُوَرًا مُفَرَّقَةً كُلُّ سُورَةٍ مُرَتَّبَةٍ بِآيَاتِهَا عَلَى حِدَةٍ وَلَكِنْ لَمْ يُرَتَّبْ بَعْضُهَا إِثْرَ بَعْضٍ فَلَمَّا نُسِخَتْ وَرُتِّبَ بَعْضُهَا إِثْرَ بَعْضٍ صَارَتْ مُصْحَفًا انْتَهَى
(فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنِ انْسَخُوا الصُّحُفَ) أَيِ انْقُلُوا مَا فِيهَا
وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَأَمَرَ مَكَانَ فَأَرْسَلَ
وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ بعد أن استشار الصحابة فأخرج بن أَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ
قَالَ عَلِيٌّ لَا تَقُولُوا فِي عُثْمَانَ إِلَّا خَيْرًا فَواللَّهِ مَا فَعَلَ الَّذِي فَعَلَ فِي الْمَصَاحِفِ إِلَّا عَنْ مَلَأٍ مِنَّا قَالَ مَا تَقُولُونَ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَهُمْ يَقُولُ إِنَّ قِرَاءَتِي خَيْرٌ مِنْ قِرَاءَتِك وَهَذَا يَكَادُ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا
قُلْنَا فَمَا تَرَى قَالَ نَرَى أَنْ نَجْمَعَ النَّاسَ عَلَى مُصْحَفٍ وَاحِدٍ فَلَا تَكُونُ فُرْقَةٌ وَلَا اخْتِلَافٌ
قُلْنَا فَنِعْمَ مَا رَأَيْتَ (وَقَالَ) أَيْ عُثْمَانُ (لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلَاثَةِ) يَعْنِي سَعِيدًا وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ وَعَبْدَ اللَّهِ لِأَنَّ سَعِيدًا أُمَوِيٌّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مَخْزُومِيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ أَسَدِيٌّ وَكُلُّهَا مِنْ بُطُونِ قُرَيْشٍ (فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ) أَيْ بلسان قريش
قال القاضي بن أبو بَكْرِ بْنِ الْبَاقِلَّانِيِّ مَعْنَى قَوْلِ عُثْمَانَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ أَيْ مُعْظَمُهُ وَأَنَّهُ لَمْ تَقُمْ دَلَالَةٌ قَاطِعَةٌ عَلَى أَنَّ جَمِيعَهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ فَإِنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّا جَعَلْنَاهُ قرآنا عربيا أَنَّهُ نَزَلَ بِجَمِيعِ أَلْسِنَةِ الْعَرَبِ وَمَنْ زَعَمَ أنه أراد مضر درن رَبِيعَةَ أَوْ هُمَا دُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute