قال النَّوَوِيُّ وَأَصْلُ الْكَرَمِ كَثْرَةُ الْخَيْرِ وَقَدْ جمع يوسف عليه الصلاة والسلام مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ مَعَ شَرَفِ النُّبُوَّةِ
وَكَوْنُهُ ابْنًا لِثَلَاثَةِ أَنْبِيَاءَ مُتَنَاسِلِينَ وَمَعَ شَرَفِ رِيَاسَةِ الدُّنْيَا مُلْكَهَا بِالْعَدْلِ والْإِحْسَانِ وَكَوْنُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَرِيمُ بْنُ الْكَرِيمِ إِلَى آخِرِهِ مَوْزُونًا مُقَفًّى لَا يُنَافِي مَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ إِذْ لَمْ يَكُنْ هَذَا بِالْقَصْدِ بَلْ وَقَعَ بِالِاتِّفَاقِ وَالْمُرَادُ صَنْعَةَ الشِّعْرِ (وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ ثُمَّ جَاءَنِي الرَّسُولُ أَجَبْتَ) أَيْ لَأَسْرَعْتُ الْإِجَابَةَ فِي الْخُرُوجِ مِنَ السِّجْنِ وَلَمَا قَدَّمْتُ طَلَبَ الْبَرَاءَةِ فَوُصِفَ بِشِدَّةِ الصَّبْرِ حَيْثُ لَمْ يُبَادِرْ بِالْخُرُوجِ وَإِنَّمَا قَالَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَاضُعًا وَالتَّوَاضُعُ لَا يَحُطُّ مَرْتَبَةَ الْكَبِيرِ بَلْ يَزِيدُهُ رِفْعَةً وَجَلَالًا وَقِيلَ هُوَ مِنْ جِنْسِ قَوْلِهِ لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى يُونُسَ
وقد قِيلَ إِنَّهُ قَالَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنَ الْجَمِيعِ (فَلَمَّا جَاءَهُ) أَيْ يُوسُفَ (الرَّسُولُ) وَطَلَبَهُ لِلْخُرُوجِ (قَالَ) أَيْ يُوسُفُ قَاصِدًا إِظْهَارَ بَرَاءَتِهِ (ارْجِعْ إِلَى ربك) أَيْ إِلَى سَيِّدِكَ وَهُوَ الْمَلِكُ (فَاسْأَلْهُ) أَنْ يَسْأَلَ (مَا بَالُ) حَالُ (النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أيديهن) لَمْ يُصَرِّحْ بِذِكْرِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ أَدَبًا وَاحْتِرَامًا لَهَا (وَرَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى لُوطٍ إِنْ كَانَ ليأوي إلى ركن شديد) أي إلى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُشِيرُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قوة أو آوى إلى ركن شديد وَيُقَالُ إِنَّ قَوْمَ لُوطٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَحَدٌ يَجْتَمِعُ مَعَهُ فِي نَسَبِهِ لِأَنَّهُمْ مِنْ سَدُومَ وَهِيَ مِنَ الشَّامِ وَأَصْلُ إِبْرَاهِيمَ وَلُوطٍ مِنَ الْعِرَاقِ فَلَمَّا هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى الشَّامِ هَاجَرَ مَعَهُ لُوطٌ فَبَعَثَ اللَّهُ لُوطًا إِلَى أَهْلِ سَدُومَ فَقَالَ لَوْ أَنَّ لِي مَنَعَةً وَأَقَارِبَ وَعَشِيرَةً لَكُنْتُ أَسْتَنْصِرُ بِهِمْ عَلَيْكُمْ لِيَدْفَعُوا عَنْ ضِيفَانِي وَلِهَذَا جَاءَ فِي بَعْضِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ كَمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَالَ لُوطٌ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إلى ركن شديد قَالَ فَإِنَّهُ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ وَلَكِنَّهُ عَنَى عَشِيرَتَهُ فَمَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إلا في ذروة من قومه زاد بن مَرْدَوَيْهِ أَلَمْ تَرَ إِلَى قَوْلِ قَوْمِ شُعَيْبٍ ولولا رهطك لرجمناك وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ أَيْ إِلَى عَشِيرَتِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَأْوِ إِلَيْهِمْ وَآوَى إِلَى اللَّهِ انْتَهَى وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ
وقال الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ رَحِمَ اللَّهُ لُوطًا إِنَّهُ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ أَيْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ أَشَدُّ الْأَرْكَانِ وَأَقْوَاهَا
وَإِنَّمَا تَرَحَّمَ عَلَيْهِ لِسَهْوِهِ حِينَ ضَاقَ صَدْرُهُ مِنْ قَوْمِهِ حَتَّى قَالَ أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ أَرَادَ عِزَّ الْعَشِيرَةِ الَّذِينَ يَسْتَنِدُ إِلَيْهِمْ كَمَا يَسْتَنِدُ إِلَى الرُّكْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute