للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ وَسَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ وَمِنْ طَرِيقِ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَزَادَ يَسْتَوُونَ كُلُّهُمْ عَلَى مَتْنِهَا ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ أَمْسِكِي أَصْحَابَكَ وَدَعِي أَصْحَابِي فَيَخْرُجُ الْمُؤْمِنُونَ نَدِيَّةً أَبْدَانُهُمْ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ أَصَحُّ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ مَنْ عَبَّرَ بِالدُّخُولِ تَجُوزُ بِهِ عَنِ الْمُرُورِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَارَّ عَلَيْهَا فَوْقَ الصِّرَاطِ فِي مَعْنَى مَنْ دَخَلَهَا لَكِنْ تَخْتَلِفُ أَحْوَالُ الْمَارَّةِ بِاخْتِلَافِ أَعْمَالِهِمْ فَأَعْلَاهُمْ دَرَجَةً مَنْ يَمُرُّ كَلَمْحِ الْبَرْقِ وَيُؤَيِّدُ صِحَّةَ هَذَا التَّأْوِيلِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ مُبَشِّرٍ أَنَّ حَفْصَةَ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَالَ لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ النَّارُ أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا الْآيَةَ

وَفِي هَذَا بَيَانُ ضَعْفِ قَوْلِ مَنْ قَالَ الْوُرُودُ مُخْتَصٌّ بِالْكُفَّارِ وَمَنْ قَالَ مَعْنَى الْوُرُودِ الدُّنُوُّ مِنْهَا وَمَنْ قَالَ مَعْنَاهُ الْإِشْرَافُ عَلَيْهَا وَمَنْ قَالَ مَعْنَى وُرُودِهَا مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْحُمَّى

عَلَى أَنَّ هَذَا الْأَخِيرَ لَيْسَ بِبَعِيدٍ وَلَا يُنَافِيه بَقِيَّةُ الْأَحَادِيثِ انْتَهَى (يَرِدُ النَّاسُ النَّارَ) يَرِدُ عَلَى وَزْنِ يَعِدُ مُضَارِعٌ مِنَ الْوُرُودِ بِمَعْنَى الْحُضُورِ يُقَالُ وَرَدْتَ مَاءَ كَذَا أَيْ حَضَرْته وَإِنَّمَا سَمَّاهُ وُرُودًا لِأَنَّ الْمَارَّةَ عَلَى الصِّرَاطِ يُشَاهِدُونَ النَّارَ وَيَحْضُرُونَهَا

قال التُّورْبَشْتِيُّ الْوُرُودُ لُغَةً قَصْدُ الْمَاءِ ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ هَا هُنَا الْجَوَازُ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ (ثُمَّ يَصْدُرُونَ عَنْهَا) بِضَمِّ الدَّالِ أَيْ يَنْصَرِفُونَ عَنْهَا فإن الصدر إِذَا عُدِّيَ بِعَنِ اقْتَضَى الِانْصِرَافَ وَهَذَا عَلَى الِاتِّسَاعِ وَمَعْنَاهُ النَّجَاةُ إِذْ لَيْسَ هُنَاكَ انْصِرَافٌ وَإِنَّمَا هُوَ الْمُرُورُ عَلَيْهَا فَوَضَعَ الصَّدْرَ مَوْضِعَ النَّجَاةِ لِلْمُنَاسَبَةِ الَّتِي بَيْنَ الصُّدُورِ وَالْوُرُودِ

قَالَ الطِّيبِيُّ ثُمَّ فِي ثُمَّ يَصْدُرُونَ مِثْلُهَا فِي قوله تعالى ثم ننجى الذين اتقوا فِي أَنَّهَا لِلتَّرَاخِي فِي الرُّتْبَةِ لَا الزَّمَانِ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى التَّفَاوُتَ بَيْنَ وُرُودِ النَّاسِ النَّارَ وَبَيْنَ نَجَاةِ الْمُتَّقِينَ مِنْهَا فَكَذَلِكَ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّفَاوُتَ بَيْنَ وُرُودِ النَّاسِ النَّارَ وَبَيْنَ صُدُورِهِمْ مِنْهَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالصُّدُورِ الِانْصِرَافُ انْتَهَى

قَالَ القارىء الْحَاصِلُ أَنَّ الْخَلْقَ بَعْدَ شُرُوعِهِمْ فِي الْوُرُودِ يَتَخَلَّصُونَ مِنْ خَوْفِ النَّارِ وَمُشَاهَدَةِ رُؤْيَتِهَا وَمُلَاصَقَةِ لَهَبِهَا وَدُخَانِهَا وَتَعَلُّقِ شَوْكِهَا وَأَمْثَالِهَا عَلَى مَرَاتِبَ شَتَّى فِي سُرْعَةِ الْمُجَاوَزَةِ وَإِبْطَائِهَا

(بِأَعْمَالِهِمْ) أَيْ بِحَسْبِ مَرَاتِبِ أَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ (فَأَوَّلُهُمْ) أَيْ أَسْبَقُهُمْ (كَلَمْحِ الْبَرْقِ) أَيْ كَسُرْعَةِ مُرُورَةِ (ثُمَّ كَحُضْرِ الْفَرَسِ) أَيْ جَرْيِهِ وَهُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الضَّادِ الْعَدْوُ الشَّدِيدُ (ثُمَّ كَالرَّاكِبِ فِي رَحْلِهِ) أَيْ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَعَدَّاهُ بِفِي لِتَمَكُّنِهِ مِنَ السَّيْرِ

كَذَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ وَقِيلَ أَرَادَ

<<  <  ج: ص:  >  >>