أَيْ فِي حَالِ التَّحْدِيثِ عَنِ احْتِبَاسِ الْوَحْيِ عن النزول فإذا الملك جَاءَنِي بِحِرَاءٍ هُوَ جَبْرَائِيلُ حِينَ أَتَاهُ بِقَوْلِهِ اقرأ بإسم ربك الذي خلق ثُمَّ إِنَّهُ حَصَلَ بَعْدَ هَذَا فَتْرَةٌ ثُمَّ نَزَلَ الْمَلَكُ بَعْدَ هَذَا جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ خَبَرٌ عَنِ الْمَلَكِ الَّذِي هُوَ مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ صِفَتُهُ فَجُثِثْتُ مِنْهُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ أُخْرَى سَاكِنَةٌ وفي رواية البخاري فجثثت بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْهَمْزَةِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ وَمَعْنَاهُمَا فَزِعْتُ وَرُعِبْتُ
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ جُئِثَ الرَّجُلُ إذا فزع فهو مجثوث قال الخليل والكسائي جثت وجثث فهو مجثوث وَمَجْثُوثٌ أَيْ مَذْعُورٌ فَزِعٌ فَقُلْتُ زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي أَيْ لُفُّونِي يُقَالُ زَمَّلَهُ فِي ثَوْبِهِ إِذَا لَفَّهُ فِيهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ دَثِّرُونِي وَصُبُّوا على ماءا بَارِدًا
قَالَ الْحَافِظُ وَكَأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي الصَّبِّ بَعْدَ التَّدَثُّرِ طَلَبُ حُصُولِ السُّكُونِ لِمَا وَقَعَ فِي الْبَاطِنِ مِنَ الِانْزِعَاجِ أَوْ أَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الرِّعْدَةَ تَعْقُبُهَا الْحُمَّى وَقَدْ عُرِفَ مِنَ الطِّبِّ النَّبَوِيِّ مُعَالَجَتُهَا بِالْمَاءِ الْبَارِدِ يَا أَيُّهَا المدثر أَيِ النَّبِيُّ وَأَصْلُهُ الْمُتَدَثِّرُ أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الدَّالِ أَيِ الْمُتَلَفِّفُ بِثِيَابِهِ عِنْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا سَمَّاهُ مُدَّثِّرًا لِقَوْلِهِ صَلَّى الله عليه وسلم دثروني قم فأنذر أَيْ خَوِّفِ النَّاسَ وَحَذِّرْهُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا وَالْمَعْنَى قُمْ مِنْ مَضْجَعِكَ وَدِثَارِكَ وَقِيلَ قُمْ قِيَامَ عَزْمٍ وَاشْتَغِلْ بِالْإِنْذَارِ الذي تحملته وبعده وربك فكبر أَيْ عَظِّمْ رَبَّكَ عَمَّا يَقُولُهُ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ وثيابك فطهر أَيْ مِنَ النَّجَاسَاتِ وَالْمُسْتَقْذَرَاتِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يَكُونُوا يَحْتَرِزُونَ عَنْهَا فَأُمِرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَوْنِ ثِيَابِهِ مِنَ النَّجَاسَاتِ وَغَيْرِهَا خلافا للمشركين وذكر في معناه وجود أخرى والرجز فاهجر أي اترك الأوثان ولا تقربها
وقال بن عَبَّاسٍ اتْرُكِ الْمَآثِمَ وَقِيلَ الشِّرْكَ وَالْمَعْنَى اتْرُكْ كُلَّ مَا أَوْجَبَ لَكَ الْعَذَابَ مِنَ الْأَعْمَالِ وَالْأَقْوَالِ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَلَا يَلْزَمُ تَلَبُّسُهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاةُ كَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَنَّ تَطْهِيرَ الثِّيَابِ كَانَ مَأْمُورًا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاةُ
قَالَهُ الْحَافِظُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute