هَذِهِ السُّورَةُ وَالْمُرَادُ بِالتَّكَاثُرِ التَّفَاخُرُ أَيْ أَشْغَلَتْكُمُ الْمُفَاخَرَةُ وَالْمُبَاهَاةُ وَالْمُكَاثَرَةُ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْعَدَدِ وَالْمَنَاقِبِ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ رَبِّكُمْ وَمَا يُنْجِيكُمْ عَنْ سخطه حتى زرتم المقابر أَيْ حَتَّى مِتُّمْ وَدُفِنْتُمْ فِي الْمَقَابِرِ يُقَالُ لِمَنْ مَاتَ زَارَ قَبْرَهُ وَزَارَ رَمْسَهُ فَيَكُونُ مَعْنَى الْآيَةِ أَلْهَاكُمْ حِرْصُكُمْ عَلَى تَكْثِيرِ أَمْوَالِكُمْ عَنْ طَاعَةِ رَبِّكُمْ حَتَّى أَتَاكُمُ الْمَوْتُ وَأَنْتُمْ على ذلك
قال بن جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِعَذَابِ الْقَبْرِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذكره أخبر عن هؤلاء القوم الذين ألهاكم التَّكَاثُرُ أَنَّهُمْ سَيَعْلَمُونَ مَا يَلْقَوْنَ إِذَا هُمْ زَارُوا الْقُبُورَ وَعِيدًا مِنْهُ لَهُمْ وَتَهَدُّدًا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فَذَكَرَ حَدِيثَ عَلِيٍّ هَذَا ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُهُ كلا سوف تعلمون يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ كَلَّا مَا هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَفْعَلُوا أَنْ يُلْهِيَكُمُ التَّكَاثُرُ وَقَوْلُهُ سوف تعلمون يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ سَوْفَ تَعْلَمُونَ إِذَا زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ أَيُّهَا الَّذِينَ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ غِبَّ فِعْلِكُمْ وَاشْتِغَالِكُمْ بِالتَّكَاثُرِ فِي الدُّنْيَا عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ ربكم وقوله ثم كلا سوف تعلمون ثُمَّ مَا هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَفْعَلُوا أَنْ يُلْهِيَكُمُ التَّكَاثُرُ بِالْأَمْوَالِ وَكَثْرَةِ الْعَدَدِ سَوْفَ تَعْلَمُونَ إِذَا زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ مَا تَلْقَوْنَ إِذَا أَنْتُمْ زُرْتُمُوهَا مِنْ مَكْرُوهِ اشْتِغَالِكُمْ عَنْ طَاعَةِ رَبِّكُمْ بِالتَّكَاثُرِ وَكَرَّرَ قَوْلَهُ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَرَّتَيْنِ لِأَنَّ الْعَرَبَ إِذَا أَرَادَتِ التَّغْلِيظَ فِي التَّخْوِيفِ وَالتَّهْدِيدِ يَذْكُرُوا الْكَلِمَةَ مَرَّتَيْنِ انْتَهَى
تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ فِي الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ آيَاتٍ تَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ عَذَابِ الْقَبْرِ إِحْدَاهَا هَذِهِ الْآيَةُ أَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ إِلَخْ وَأَصْرَحُهَا وَأَوْضَحُهَا الْآيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فرعون أشد العذاب قَالَ الْعَلَّامَةُ نِظَامُ الدِّينِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ ص ٣٨ ج ٢٤ مَا لَفْظُهُ وَفِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى إِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ لِأَنَّ تَعْذِيبَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ يجيء في قوله ويوم تقوم الساعة انتهى وقال الحافظ بن كَثِيرٍ وَهَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي اسْتِدْلَالِ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى عَذَابِ الْبَرْزَخِ فِي الْقُبُورِ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وعشيا انْتَهَى
وَقَالَ الرَّازِيُّ احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى إِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ قَالُوا الْآيَةُ تَقْضِي عَرْضَ النَّارِ عَلَيْهِمْ غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ لِأَنَّهُ قَالَ وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute