٩١ - باب ومن سورة تبت يدا وَتُسَمَّى سُورَةَ أَبِي لَهَبٍ أَيْضًا مَكِّيَّةٌ وَهِيَ خَمْسُ آيَاتٍ [٣٣٦٣] قَوْلُهُ (صَعِدَ) مِنَ التَّصْعِيدِ أَيْ رَقِيَ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ صَعِدَ فِي السُّلَّمِ كَسَمِعَ صُعُودًا وَصَعِدَ فِي الْجَبَلِ وَعَلَيْهِ تَصْعِيدًا رَقِيَ وَلَمْ يُسْمَعْ صَعِدَ فِيهِ يَا صَبَاحَاهُ هَذِهِ كَلِمَةٌ يَقُولُهَا الْمُسْتَغِيثُ وَأَصْلُهَا إِذَا صَاحُوا لِلْغَارَةِ لِأَنَّهُمْ أَكْثَرُ مَا كَانُوا يُغِيرُونَ بِالصَّبَاحِ وَيُسَمُّونَ يَوْمَ الْغَارَةِ يَوْمَ الصَّبَاحِ وَكَأَنَّ الْقَائِلَ يَا صَبَاحَاهُ يَقُولُ قَدْ غَشِينَا الْعَدُوَّ إِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ أَيْ قَبْلَ نُزُولِ عَذَابٍ عَظِيمٍ وَعِقَابٍ أَلِيمٍ وَالْمَعْنَى أَنَّكُمْ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِي يَنْزِلْ عَلَيْكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ بَيْنَ يَدَيْ ظرف لغد نَذِيرٌ وَهُوَ بِمَعْنَى قُدَّامَ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَكُونُ قُدَّامَ أَحَدٍ يَكُونُ بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ الْمُسَامِتَتَيْنِ لِيَمِينِهِ وَشِمَالِهِ وَفِيهِ تَمْثِيلٌ مَثَّلَ إِنْذَارَهُ لِقَوْمٍ بِعَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى النَّازِلِ عَلَى الْقَوْمِ بِنَذِيرِ قَوْمٍ يَتَقَدَّمُ جَيْشَ الْعَدُوِّ فَيُنْذِرُهُمْ أَرَأَيْتُمْ أَيْ أَخْبِرُونِي مُمَسِّيكُمْ أَوْ مُصَبِّحُكُمْ كِلَاهُمَا بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ مِنْ بَابِ تَفْعِيلٍ أَيْ مُغِيرُكُمْ فِي الْمَسَاءِ أَوِ الصَّبَاحِ (فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ) هُوَ بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعُزَّى وَأُمُّهُ خُزَاعِيَّةٌ وَكُنِيَ أَبَا لَهَبٍ إِمَّا لِابْنِهِ لَهَبٍ وَإِمَّا لِشِدَّةِ حُمْرَةِ وَجْنَتِهِ وَقَدْ أَخْرَجَ الْفَاكِهِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ قَالَ إِنَّمَا سُمِّيَ أَبَا لَهَبٍ لِأَنَّ وَجْهَهُ كَانَ يَتَلَهَّبُ مِنْ حُسْنِهِ انْتَهَى وَوَافَقَ ذَلِكَ مَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُهُ مِنْ أَنَّهُ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ
وَلِهَذَا ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ بِكُنْيَتِهِ دُونَ اسْمِهِ وَلِكَوْنِهِ بِهَا أَشْهَرَ وَلِأَنَّ فِي اسْمِهِ إِضَافَةً إِلَى الصَّنَمِ وَمَاتَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ وَلَمْ يَحْضُرْهَا بَلْ أَرْسَلَ عَنْهُ بَدِيلًا فَلَمَّا بَلَغَهُ مَا جَرَى لِقُرَيْشٍ مَاتَ عَنْهَا (أَلِهَذَا) الْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ (تَبًّا لَكَ) أَيْ خُسْرَانًا وَهَلَاكًا وَنَصَبَهُ بِعَامِلٍ مُضْمَرٍ
قَالَهُ الْقَاضِي فَهُوَ إِمَّا نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ وَالْمَعْنَى تَبَّ تَبًّا أَوْ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ أَيْ أَلْزَمَكَ اللَّهُ هَلَاكًا وَخُسْرَانًا وَأَلْزَمَ تَبًّا تَبَّتْ أَيْ خسرت يدا أبي لهب أَيْ جُمْلَتُهُ وَعَبَّرَ عَنْهَا بِالْيَدَيْنِ مَجَازًا لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَفْعَالِ تُزَاوَلُ بِهِمَا وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ دُعَاءٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute