الْحَوَائِجِ وَيُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي الْأُمُورِ خَلَقْتَنِي اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ لِلتَّرْبِيَةِ وَأَنَا عَبْدُكَ أَيْ مَخْلُوقُكَ وَمَمْلُوكُكَ وَهُوَ حَالٌ كَقَوْلِهِ (وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ) أَيْ أَنَا مُقِيمٌ عَلَى الْوَفَاءِ بِعَهْدِ الْمِيثَاقِ وَأَنَا مُوقِنٌ بِوَعْدِكَ يَوْمَ الْحَشْرِ وَالتَّلَاقِ مَا اسْتَطَعْتُ أَيْ بِقَدْرِ طَاقَتِي وَقِيلَ أَيْ أَنَا عَلَى مَا عَاهَدْتُكَ وَوَعَدْتُكَ مِنَ الْإِيمَانِ بِكَ والإخلاص من طَاعَتِكَ أَوْ أَنَا مُقِيمٌ عَلَى مَا عَاهَدْتَ إلَيَّ مَنْ أَمْرِكَ وَمُتَمَسِّكٌ بِهِ وَمُتَنَجِّزٌ وَعْدَكَ فِي الْمَثُوبَةِ وَالْأَجْرِ عَلَيْهِ وَاشْتِرَاطِ الِاسْتِطَاعَةِ اعْتِرَافٌ بِالْعَجْزِ وَالْقُصُورِ عَنْ كُنْهِ الْوَاجِبِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى أَيْ لَا أَقْدِرُ أَنْ أَعْبُدَكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ وَلَكِنْ أَجْتَهِدُ بِقَدْرِ طَاقَتِي وَأَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ أَيْ أَعْتَرِفُ بِهَا مِنْ قَوْلِهِمْ باء بحقه أي أقربه وَأَصْلُهُ الْبَوَاءُ وَمَعْنَاهُ اللُّزُومُ وَمِنْهُ بَوَّأَهُ اللَّهُ مَنْزِلًا إِذَا أَسْكَنَهُ فَكَأَنَّهُ أَلْزَمَهُ بِهِ وَأَعْتَرِفُ بِذُنُوبِي قَالَ الطِّيبِيُّ اعْتَرَفَ أَوَّلًا بِأَنَّهُ تَعَالَى أَنْعَمَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ لِيَشْمَلَ جَمِيعَ أَنْوَاعِ النِّعَمِ ثُمَّ اعْتَرَفَ بِالتَّقْصِيرِ وَأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ بِأَدَاءِ شُكْرِهَا ثُمَّ بَالَغَ فَعَدَّهُ ذَنْبًا مُبَالَغَةً فِي هَضْمِ النَّفْسِ تَعْلِيمًا لِلْأُمَّةِ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ أَبُوءُ لَكَ بذنبي اعتراف بِوُقُوعِ الذَّنْبِ مُطْلَقًا لِيَصِحَّ الِاسْتِغْفَارُ مِنْهُ لَا أَنَّهُ عَدَّ مَا قَصَّرَ فِيهِ مِنْ أَدَاءِ شُكْرِ النِّعَمِ ذَنْبًا لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ أَيْ مَا عَدَا الشِّرْكَ لَا يَقُولُهَا أَيْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ فَيَأْتِي عَلَيْهِ قَدَرٌ إِلَخْ الْمُرَادُ مِنَ الْقَدَرِ الْمَوْتُ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قَالَ وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ
فَإِنْ قِيلَ الْمُؤْمِنُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْهَا فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَدْخُلُهَا ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ دُخُولِ النَّارِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمُوقِنَ بِحَقِيقَتِهَا الْمُؤْمِنَ بِمَضْمُونِهَا لَا يَعْصِي اللَّهَ تَعَالَى أَوْ لِأَنَّ اللَّهَ يَعْفُو عَنْهُ بِبَرَكَةِ هَذَا الِاسْتِغْفَارِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن أبي هريرة وبن عمر وبن مسعود وبن أَبْزَى وَبُرَيْدَةَ) أَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود والنسائي وبن ماجة وصححه بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَأَمَّا أَحَادِيثُ الْبَاقِينَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهَا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute