للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وُجُودُهُ لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَسْبِقْهُ عَدَمٌ وَلَا يَلْحَقُهُ عدم بخلاف غيره

وقال بن التِّينِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنْتَ الْحَقُّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ يُدَّعَى فِيهِ أَنَّهُ إِلَهٌ أَوْ بِمَعْنَى أَنَّ مَنْ سَمَّاكَ إِلَهًا فَقَدْ قَالَ الْحَقَّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ أَيِ الثَّابِتُ قَالَ الطِّيبِيُّ عَرَّفَ الْحَقَّ فِي أَنْتَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ وَنَكَّرَ فِي الْبَوَاقِي لِأَنَّهُ مُنَكَّرٌ سَلَفًا وَخَلَفًا أَنَّ اللَّهَ هُوَ الثَّابِتُ الدَّائِمُ الْبَاقِي وَمَا سِوَاهُ فِي مَعْرِضِ الزَّوَالِ وَكَذَا وَعْدُهُ مُخْتَصٌّ بِالْإِنْجَازِ دُونَ وَعْدِ غَيْرِهِ إِمَّا قَصْدًا وَإِمَّا عَجْزًا تَعَالَى اللَّهُ عَنْهُمَا وَالتَّنْكِيرُ فِي الْبَوَاقِي لِلتَّفْخِيمِ وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ اللِّقَاءُ الْبَعْثُ أَوْ رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ الْمَوْتُ وَأَبْطَلَهُ النَّوَوِيُّ وَاللِّقَاءُ وَمَا ذُكِرَ بَعْدَهُ دَاخِلٌ تَحْتَ الْوَعْدِ لَكِنَّ الْوَعْدَ مَصْدَرٌ وَمَا ذُكِرَ بَعْدَهُ هُوَ الْمَوْعُودُ بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ وَالسَّاعَةُ حَقٌّ أَيْ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَأَصْلُ السَّاعَةِ الْقِطْعَةُ مِنَ الزَّمَانِ وَإِطْلَاقُ اسْمِ الْحَقِّ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنَ الْأُمُورِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا وَأَنَّهَا مِمَّا يَجِبُ أَنْ يُصَدَّقَ بِهَا وَتَكْرَارُ لَفْظِ حَقٍّ لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّأْكِيدِ اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ أَيِ اسْتَسْلَمْتُ وَانْقَدْتُ لِأَمْرِكَ وَنَهْيِكَ وَبِكَ آمَنْتُ أَيْ صَدَّقْتُ بِكَ وَبِكُلِّ مَا أَخْبَرْتَ وَأَمَرْتَ وَنَهَيْتَ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ أَيْ فَوَّضْتُ الْأَمْرَ إِلَيْكَ تَارِكًا لِلنَّظَرِ فِي الْأَسْبَابِ الْعَادِيَّةِ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ أَيْ أَطَعْتُ وَرَجَعْتُ إِلَى عِبَادَتِكَ أَيْ أَقْبَلْتُ عَلَيْهَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ رَجَعْتُ إِلَيْكَ فِي تَدْبِيرِ أَمْرِي أَيْ فَوَّضْتُ إِلَيْكَ وَبِكَ خَاصَمْتُ أَيْ بِمَا أَعْطَيْتَنِي مِنَ الْبَرَاهِينِ وَالْقُوَّةِ خَاصَمْتُ مَنْ عَانَدَ فِيكَ وَكَفَرَ بِكَ وَقَمَعْتُهُ بِالْحُجَّةِ وَبِالسَّيْفِ وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ أَيْ كُلَّ مَنْ جَحَدَ الْحَقَّ حَاكَمْتُهُ إِلَيْكَ وَجَعَلْتُكَ الْحَاكِمَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَا غَيْرَكَ مِمَّا كَانَتْ تَحَاكَمُ إِلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ صَنَمٍ وَكَاهِنٍ وَنَارٍ وَشَيْطَانٍ وَغَيْرِهَا فَلَا أَرْضَى إِلَّا بِحُكْمِكَ وَلَا أَعْتَمِدُ غَيْرَهُ وَقَدَّمَ مَجْمُوعَ صِلَاتِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ عَلَيْهَا إِشْعَارًا بِالتَّخْصِيصِ وَإِفَادَةً لِلْحَصْرِ مَا قَدَّمْتُ أَيْ قَبْلَ هَذَا الْوَقْتِ وَمَا أَخَّرْتُ عَنْهُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ أَيْ أَخْفَيْتُ وَأَظْهَرْتُ أَوْ مَا حَدَّثْتُ بِهِ نَفْسِي وَمَا تَحَرَّكَ بِهِ لِسَانِي

قَالَ النَّوَوِيُّ وَمَعْنَى سُؤَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْفِرَةَ مَعَ أَنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ أَنَّهُ يَسْأَلُ ذَلِكَ تَوَاضُعًا وَخُضُوعًا وَإِشْفَاقًا وَإِجْلَالًا وَلِيُقْتَدَى بِهِ فِي أَصْلِ الدُّعَاءِ وَالْخُضُوعِ وَحُسْنِ التَّضَرُّعِ فِي هَذَا الدُّعَاءِ الْمُعِينِ

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ مُوَاظَبَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللَّيْلِ عَلَى الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالِاعْتِرَافِ لِلَّهِ تَعَالَى بِحُقُوقِهِ وَالْإِقْرَارِ بصدقه ووعده ووعيده والبعث والجنة والنار وَغَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وأخرجه الشيخان والنسائي وبن ماجة

<<  <  ج: ص:  >  >>