قُلْتُ إِثْبَاتُ فَرْضِيَّةِ مُطْلَقِ الْقُرْآنِ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى فاقرأوا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِعَيْنِهَا وَهُوَ لَيْسَ بِمُتَّفَقٍ عَلَيْهِ بَلْ فِيهِ قَوْلَانِ قَالَ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ فِيهِ قَوْلَانِ الْأَوَّلُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ الصَّلَاةُ أَيْ فَصَلُّوا مَا تَيَسَّرَ عَلَيْكُمْ
القول الثاني أن المراد من قوله فاقرأوا ما تيسر من القران قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِعَيْنِهَا انْتَهَى
وَهَكَذَا فِي عَامَّةِ كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي فِيهِ بُعْدٌ عَنْ مُقْتَضَى السِّيَاقِ قَالَ الشَّيْخُ الْأَلُوسِيُّ الْبَغْدَادِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ الْمُسَمَّى بِرُوحِ الْمَعَانِي أَيْ فَصَلُّوا مَا تَيَسَّرَ لَكُمْ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ
عَبَّرَ عَنِ الصَّلَاةِ بِالْقِرَاءَةِ كَمَا عَبَّرَ عَنْهَا بِسَائِرِ أَرْكَانِهَا
وَقِيلَ الْكَلَامُ عَلَى حَقِيقَتِهِ مِنْ طَلَبِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِعَيْنِهَا
وَفِيهِ بُعْدٌ عَنْ مُقْتَضَى السِّيَاقِ انْتَهَى كَلَامُهُ
فَلَمَّا ظَهَرَ أَنَّ فِي قَوْلِهِ تعالى فاقرأوا الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَأَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ فِيهِ بُعْدٌ لَاحَ لَكَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ عَلَى فَرْضِيَّةِ مُطْلَقِ الْقِرَاءَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي أَعْنِي قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ بِعَيْنِهَا فَحَدِيثُ الْبَابِ مَشْهُورٌ بَلْ مُتَوَاتِرٌ قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ تَوَاتَرَ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِقِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ انْتَهَى وَالزِّيَادَةُ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ جَائِزٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أن قوله تعالى فاقرأوا ما تيسر من القران عَامٌّ مَخْصُوصٌ مِنْهُ الْبَعْضُ فَهُوَ ظَنِّيٌّ فَلَا يَدُلُّ عَلَى فَرْضِيَّةِ مُطْلَقِ الْقِرَاءَةِ وَيَجُوزُ تَخْصِيصُهُ وَلَوْ بِالْأَحَادِيثِ قَالَ الْملّاجيونُ فِي تَفْسِيرِهِ ثُمَّ أَقَلُّ الْقِرَاءَةِ فَرْضًا عِنْدَنَا آيَةٌ وَاحِدَةٌ طَوِيلَةٌ كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ وَغَيْرِهَا أَوْ ثَلَاثُ آيَاتٍ قَصِيرَةٍ كمدهامتان وهذا هو الأصح وقيل إنه وَاحِدَةٌ طَوِيلَةً كَانَتْ أَوْ قَصِيرَةً وَذَلِكَ مِمَّا لَا يُعْتَدُّ بِهِ يُنَادِي عَلَيْهِ كُتُبُ الْفِقْهِ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ يَكُونُ مَا دُونَ الْآيَةِ مَخْصُوصًا مِنْ هَذَا الْعَامِّ فَيَكُونُ الْعَامُّ ظَنِّيًّا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَدُلَّ عَلَى فَرْضِيَّةِ الْقِرَاءَةِ وَأَنْ يُعَارِضَهُ الْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ انْتَهَى كَلَامُهُ
وأما ما قيل من أن الْآيَةِ لَا يُسَمَّى قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ عُرْفًا وَالْعُرْفُ قَاضٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ فَهَذَا دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَيَلْزَمُ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ مُدْهَامَّتَانِ الَّتِي هِيَ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَلَا يَكُونُ أَكْثَرُ آيَةِ الْمُدَايَنَةِ الَّتِي هِيَ كَلِمَاتٌ كَثِيرَةٌ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَهَذَا كَمَا تَرَى وَأَيْضًا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ أَحَدٌ نِصْفَ آيَةِ الْمُدَايَنَةِ فِي الصَّلَاةِ لَا تَجُوزُ
وَعَامَّةُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى جَوَازِهَا
قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
وَلَوْ قَرَأَ نِصْفَ آيَةِ الْمُدَايَنَةِ قِيلَ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ تَمَامِ الْآيَةِ وَعَامَّتُهُمْ عَلَى الْجَوَازِ انْتَهَى
فَإِنْ قُلْتَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تَعْلِيمِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ فَرْضِيَّةِ الْفَاتِحَةِ إِذْ لَوْ كَانَتْ فَرْضًا لَأَمَرَهُ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ التَّعْلِيمِ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْهُ
قُلْتُ قَدْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ رفاعة بن رَافِعٍ مَرْفُوعًا وَإِذَا قُمْتَ فَتَوَجَّهْتَ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَبِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَقْرَأَ وَأَجَابَ الْخَطَّابِيُّ عَنْ