قُلْتُ تَقْرِيرُ اسْتِدْلَالِ هَذَا الْبَعْضِ عَلَى الشَّكْلِ الْأَوَّلِ هَكَذَا آمِينَ دُعَاءٌ وَكُلُّ دُعَاءٍ لَا بُدَّ أَنْ يُخْفَى بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (ادْعُوا ربكم تضرعا وخفية) فَآمِينَ لَا بُدَّ أَنْ يُخْفَى بِهَا وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ صِحَّةُ الصُّغْرَى وَكُلِّيَّةُ الْكُبْرَى صَحَّتْ هَذِهِ النَّتِيجَةُ لَكِنَّ فِي صِحَّةِ الصُّغْرَى نَظَرًا فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ آمِينَ دُعَاءٌ بَلْ نَقُولُ إِنَّهَا كَالطَّابَعِ وَالْخَاتَمِ لِلدُّعَاءِ كَمَا عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي زُهَيْرٍ النُّمَيْرِيِّ الصَّحَابِيِّ أَنَّ آمِينَ مِثْلُ الطَّابَعِ عَلَى الصَّحِيفَةِ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَهُ صَلَّى الله عليه وسلم إن ختم بآمين فقد أَوْجَبَ
وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ آمِينَ دُعَاءٌ فَنَقُولُ إِنَّهَا لَيْسَتْ بِدُعَاءٍ مُسْتَقِلٍّ بِالْأَصَالَةِ بَلْ هِيَ مِنْ تَوَابِعِ الدُّعَاءِ وَلِذَلِكَ لَا يُدْعَى بِآمِينَ وَحْدَهَا بَلْ يُدْعَى بِدُعَاءٍ أَوَّلًا ثُمَّ تُقَالُ هِيَ عُقَيْبَهُ فَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ الْجَهْرُ بِهَا وَالْإِخْفَاءُ بِهَا تَابِعًا لِأَصْلِ الدُّعَاءِ إِنْ جَهْرًا فجهرا وإن سرا فسرا ولو سلمناأن آمِينَ دُعَاءٌ بِالْأَصَالَةِ فَلَا نُسَلِّمُ كُلِّيَّةَ الْكُبْرَى أَلَا تَرَى أَنَّ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الذين أنعمت عليهم إِلَخْ دُعَاءٌ وَيُقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ بِالْجَهْرِ وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَدْعِيَةِ قَدْ ثَبَتَ الْجَهْرُ بِهَا فَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ مِمَّا لَا يُصْغَى إِلَيْهِ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ الْجَهْرَ كَانَ أَحْيَانَا لِلتَّعْلِيمِ كَمَا جَهَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالثَّنَاءِ عَلَى الِافْتِتَاحِ كَذَلِكَ كَانَ الْجَهْرُ بِالتَّأْمِينِ تَعْلِيمًا
قُلْتُ الْقَوْلُ بِأَنَّ جَهْرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّأْمِينِ كَانَ لِلتَّعْلِيمِ سَخِيفٌ جَدًّا فَإِنَّهُ ادِّعَاءٌ مَحْضٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَيَدُلُّ عَلَى سَخَافَتِهِ أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يَجْهَرُونَ خَلْفَ الْإِمَامِ حَتَّى كَانَ لِلْمَسْجِدِ رَجَّةٌ فَلَوْ كَانَ جَهْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّأْمِينِ لِلتَّعْلِيمِ لَمْ يَجْهَرُوا بِالتَّأْمِينِ خَلْفَ إِمَامِهِمْ وَأَيْضًا لَوْ كَانَ جَهْرُهُ بِهِ لِلتَّعْلِيمِ كَانَ أَحْيَانًا لَا عَلَى الدَّوَامِ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَرَأَ وَلَا الضَّالِّينَ قَالَ آمِينَ وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُدَاوِمُ عَلَى الْجَهْرِ
فَإِنْ قُلْتَ أَخْرَجَ الدُّولَابِيُّ فِي كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالْكُنَى حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَطِيَّةَ قَالَ أَنْبَأْنَا يَحْيَى بْنُ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَكَنٍ حُجْرِ بْنِ عَنْبَسَ الثَّقَفِيِّ قَالَ سَمِعْتُ وَائِلَ بْنَ حُجْرٍ الْحَضْرَمِيَّ يَقُولُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَقَرَأَ غَيْرِ المغضوب عليهم وَلَا الضَّالِّينَ فَقَالَ آمِينَ يَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ مَا أَرَادَ إِلَّا يُعَلِّمُنَا فَقَوْلُهُ مَا أَرَادَ إِلَّا يُعَلِّمُنَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَهْرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّأْمِينِ كَانَ لِلتَّعْلِيمِ
قُلْتُ قَدْ تَفَرَّدَ بِزِيَادَةِ قَوْلِهِ مَا أَرَادَ إِلَّا يُعَلِّمُنَا يَحْيَى بْنُ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ مَتْرُوكٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ مَتْرُوكٌ وَكَانَ شِيعِيًّا انْتَهَى
وَقَدْ رَوَى حَدِيثَ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ هَذَا مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ وَلَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ مُنْكَرَةٌ مَرْدُودَةٌ فَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ الْمُنْكَرَةِ عَلَى أَنَّ الْجَهْرَ بِالتَّأْمِينِ كَانَ أَحْيَانَا لِلتَّعْلِيمِ بَاطِلٌ جِدًّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute