للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا الْمُرَادُ مِنْهُ قِرَاءَةُ الْمَأْمُومِ خَلْفَ الْإِمَامِ لَمْ يَحْصُلْ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا تَعَلُّقٌ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ وَانْقَطَعَ النَّظْمُ وَحَصَلَ فَسَادُ التَّرْكِيبِ وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ شَيْئًا آخَرَ سِوَى هَذَا الْوَجْهِ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى كَوْنَ الْقُرْآنِ بَصَائِرَ وَهُدًى وَرَحْمَةً مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ مُعْجِزَةٌ دَالَّةٌ عَلَى صِدْقِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَكَوْنُهُ كَذَلِكَ لَا يَظْهَرُ إِلَّا بِشَرْطٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى أُولَئِكَ الْكُفَّارِ اسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصَتُوا حَتَّى يَقِفُوا عَلَى فَصَاحَتِهِ وَيُحِيطُوا بِمَا فِيهِ مِنَ الْعُلُومِ الْكَثِيرَةِ فَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ لَهُمْ كَوْنُهُ مُعْجِزًا دَالًّا عَلَى صِدْقِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَسْتَغْنَوْا بِهَذَا الْقُرْآنِ عَنْ طَلَبِ سَائِرِ الْمُعْجِزَاتِ وَيَظْهَرُ لَهُمْ صِدْقُ قَوْلِهِ فِي صِفَةِ الْقُرْآنِ بَصَائِرُ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ

فَثَبَتَ أَنَّا إِذَا حَمَلْنَا الْآيَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ اسْتَقَامَ النَّظْمُ وَحَصَلَ التَّرْتِيبُ فَثَبَتَ أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى

وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ وإذا قرئ القرآن فاستمعوا خِطَابٌ مَعَ الْكُفَّارِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ فِي مَعْرِضِ الِاحْتِجَاجِ وَبِكَوْنِهِ مُعْجِزًا عَلَى صِدْقِ نُبُوَّتِهِ وَعِنْدَ هَذَا يَسْقُطُ اسْتِدْلَالُ الْخُصُومِ بِهَذِهِ الْآيَةِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ

وَمِمَّا يُقَوِّي أَنَّ حَمْلَ الْآيَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى وُجُوهٌ

الْأَوَّلُ أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنِ الْكُفَّارِ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ

فَلَمَّا حَكَى عَنْهُمْ ذَلِكَ نَاسَبَ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالِاسْتِمَاعِ وَالسُّكُوتِ حَتَّى يُمْكِنَهُمُ الْوُقُوفُ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْوُجُوهِ الْكَثِيرَةِ الْبَالِغَةِ إِلَى حَدِّ الْإِعْجَازِ

وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ قَالَ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ هَذَا بَصَائِرُ من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون فَحَكَمَ بِكَوْنِ هَذَا الْقُرْآنِ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ وَالْجَزْمِ ثُمَّ قَالَ وَإِذَا قُرِئَ القرآن إِلَخْ وَلَوْ كَانَ الْمُخَاطَبُونَ بِقَوْلِهِ فَاسْتَمِعُوا وَأَنْصِتُوا هم المؤمنون لما قال لعلكم ترحمون لأنه جزم قبل هذه الآية يكون الْقُرْآنِ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ قَطْعًا فَكَيْفَ يَقُولُ بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ لَعَلَّهُ يَكُونُ الْقُرْآنُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ أَمَّا إِذَا قُلْنَا إِنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِهِ هُمُ الْكَافِرُونَ صَحَّ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ انْتَهَى كَلَامُ الرَّازِيِّ مُلَخَّصًا

فَإِنْ قُلْتَ قَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَ أَجْمَعَ الناس على أن هذه الآية في الصلاة انْتَهَى

فَمَعَ إِجْمَاعِ النَّاسِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الصَّلَاةِ كَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ فِيهَا خِطَابًا مَعَ الْكُفَّارِ وَلَيْسَ فِيهَا خِطَابٌ مَعَ الْمُسْلِمِينَ

قُلْتُ لَمْ يَذْكُرِ الزَّيْلَعِيُّ إِسْنَادَ قَوْلِ أَحْمَدَ هَذَا وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ فِي أَيِّ كِتَابٍ أَخْرَجَهُ وَقَدْ طَالَعْتُ كِتَابَ الْقِرَاءَةِ لَهُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ قَوْلَ أَحْمَدَ هَذَا وَكَذَا طَالَعْتُ بَابَ الْقِرَاءَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>