مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْمُهْمَلَةِ ثِقَةٌ
قَوْلُهُ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَائِرَاتِ الْقُبُورِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ قَدْ رَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يُرَخِّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَلَمَّا رَخَّصَ دَخَلَ فِي رُخْصَتِهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا كُرِهَ زِيَارَةُ الْقُبُورِ فِي النِّسَاءِ لِقِلَّةِ صَبْرِهِنَّ وَكَثْرَةِ جَزَعِهِنَّ انْتَهَى
وَنَذْكُرُ هُنَاكَ مَا هُوَ الرَّاجِحُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (والمتخذين عليها المساجد) قال بن الْمَلَكِ إِنَّمَا حَرَّمَ اتِّخَاذَ الْمَسَاجِدِ عَلَيْهَا لِأَنَّ فِي الصَّلَاةِ فِيهَا اسْتِنَانًا بِسُنَّةِ الْيَهُودِ انْتَهَى
قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَقَيْدُ عَلَيْهَا يُفِيدُ أَنَّ اتِّخَاذَ الْمَسَاجِدِ بِجَنْبِهَا لَا بَأْسَ بِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ انْتَهَى
قُلْتُ إِنْ كَانَ اتِّخَاذُ الْمَسَاجِدِ بِجَنْبِ الْقُبُورِ لِتَعْظِيمِهَا أَوْ لِنِيَّةٍ أُخْرَى فَاسِدَةٍ فَلَيْسَ بِجَائِزٍ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ (وَالسُّرُجُ) جَمْعُ سِرَاجٍ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ نَهَى عَنِ الْإِسْرَاجِ لِأَنَّهُ تَضْيِيعُ مَالٍ بِلَا نَفْعٍ أَوِ احْتِرَازًا عَنْ تَعْظِيمِ الْقُبُورِ كَاتِّخَاذِهَا مَسَاجِدَ
تَنْبِيهٌ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ وَحَدِيثُ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ كَانُوا يَجْعَلُونَهَا قِبْلَةً يَسْجُدُونَ إِلَيْهَا فِي الصَّلَاةِ كَالْوَثَنِ وَأَمَّا مَنِ اتَّخَذَ مَسْجِدًا فِي جِوَارِ صَالِحٍ أَوْ صَلَّى فِي مَقْبُرَةٍ قَاصِدًا بِهِ الِاسْتِظْهَارَ بِرُوحِهِ أَوْ وُصُولِ أَثَرٍ مِنْ آثَارِ عِبَادَتِهِ إِلَيْهِ لَا التَّوَجُّهَ نَحْوَهُ وَالتَّعْظِيمَ لَهُ فَلَا حَرَجَ فِيهِ أَلَا يُرَى أَنَّ مَرْقَدَ إِسْمَاعِيلَ فِي الْحِجْرِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالصَّلَاةَ فِيهِ أَفْضَلُ انْتَهَى
وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ الدِّهْلَوِيُّ فِي اللُّمَعَاتِ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ لَمَّا أَعْلَمَهُ بِقُرْبِ أَجَلِهِ فَخَشَيَ أَنْ يَفْعَلَ بَعْضُ أُمَّتِهِ بِقَبْرِهِ الشَّرِيفِ مَا فَعَلَتْهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بِقُبُورِ أَنْبِيَائِهِمْ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ
قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ هُوَ مُخَرَّجٌ عَلَى الْوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا كَانُوا يَسْجُدُونَ لِقُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ تَعْظِيمًا لَهُمْ وَقُصِدَ الْعِبَادَةُ فِي ذَلِكَ وَثَانِيهِمَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَحَرَّوْنَ الصَّلَاةَ فِي مَدَافِنِ الْأَنْبِيَاءِ وَالتَّوَجُّهَ إِلَى قُبُورِهِمْ فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ وَالْعِبَادَةِ لِلَّهِ نَظَرًا مِنْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ الصَّنِيعَ أَعْظَمُ مَوْقِعًا عند الله لاشتماله على الأمرين عبادة وَالْمُبَالَغَةِ فِي تَعْظِيمِ الْأَنْبِيَاءِ وَكِلَا الطَّرِيقَيْنِ غَيْرُ مَرْضِيَّةٍ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَشِرْكٌ جَلِيٌّ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنْ كَانَ خَفِيًّا
وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَمِّ الْوَجْهَيْنِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ
وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَشْبَهُ كَذَا قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ الصَّلَاةُ إِلَى قَبْرِ نَبِيٍّ أَوْ صَالِحٍ تَبَرُّكًا وَإِعْظَامًا قَالَ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ وَأَمَّا إِذَا وُجِدَ بِقُرْبِهَا مَوْضِعٌ بُنِيَ