للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لهجرته إلى المدينة، حيث اقتضت حكمة الله أن تكون هي المنطلق للمدّ الإسلامي في أرجاء الأرض كلها» .

ثالثا: في بيعة العقبة الأولى، كان قد تمّ إسلام عدد من كبار أهل المدينة، كما ذكرنا.

فكيف كانت صورة إسلامهم؟ وما هي حدود مسؤولياتهم التي حمّلهم الإسلام إياها؟

لقد رأينا أن إسلامهم لم يكن مجرد نطق بالشهادتين، بل كان إسلامهم هو الجزم القلبي والنطق اللساني بهما، ثم التزاما بالبيعة التي أخذها رسول الله صلّى الله عليه وسلم عليهم، أن ينصبغ سلوكهم بالصبغة الإسلامية عن طريق التمسك بنظمه وأخلاقه وعامة مبادئه، أخذ عليهم أن لا يشركوا بالله شيئا، ولا يسرقوا، ولا يزنوا، ولا يقتلوا أولادهم، ولا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم، ولا يعصوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم في أي معروف يأمرهم به.

وهذه هي أهم معالم المجتمع الإسلامي الذي بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم لإنشائه. فليست مهمته أن يلقن الناس كلمة الشهادة ثم يتركهم يرددونها بأفواههم وهم عاكفون على انحرافاتهم وبغيهم ومفاسدهم. صحيح أن الإنسان يصدق عليه اسم المسلم إذا صدّق بالشهادتين وأحلّ الحلال وحرّم الحرام وصدّق بالفرائض، ولكن ذلك لأن التصديق بوحدانية الله ورسالة محمد عليه الصلاة والسلام هو المفتاح والوسيلة لإقامة المجتمع الإنساني وتحقيق نظمه ومبادئه، وجعل الحاكمية في كل الأمور لله تعالى وحده. فحيثما وجد الإيمان بوحدانية الله تعالى ورسالة نبيه محمد عليه الصلاة والسلام لا بدّ أن يتبعه الإيمان بحاكمية الله تعالى وضرورة اتّباع شريعته ودستوره.

ومن أعجب العجب، ما يعمد إليه بعض الذين تأسرهم النظم والتشريعات الوضعية، ممن لا يريدون المجاهرة بنبذ الإسلام واطّراحه، حيث يحاولون أن يسلكوا مع خالق هذا الكون ومالكه مسلكا أشبه ما يكون بمسلك الصلح والمفاوضات.

وسبيل المفاوضة عندهم، أن يقسموا مظاهر المجتمع بينهم وبين الإسلام، فللإسلام من المجتمع مساجده وسائر مظاهره العبادية، يحكم ضمن ذلك على الناس بكل ما يريد، ولهم منه نظمه وتشريعاته وأخلاقه يغيرون منها ويبدلون كما يريدون! ..

ولو أن المتألهين والبغاة الذين أرسلت إليهم الرسل فكذبوا برسالاتهم تنبهوا لهذا الحلّ الطريف إزاء دعوتهم إلى الإسلام، لما توانوا عن الدخول فيه وإظهار الطواعية له، مادام أنه لا يكلفهم التنازل عن حاكميتهم ولا ترك شيء من قوانينهم وتنظيماتهم، ولما بخلوا في مقابل ذلك بكلمة يرددونها أو طقوس يتركون السبيل إليها. ولكنهم علموا أن هذا الدين يكلفهم أول ما يكلفهم الدخول في نظام وحكم جديدين، التشريع والحكم فيه إلى الله وحده، فمن أجل ذلك شاقوا الله ورسوله وعزّ عليهم أن يعلنوا إسلامهم لدعوة الله عزّ وجلّ.

<<  <   >  >>