وانظر! .. كم كان وبال هذه الخطيئة جسيما، وكم كانت نتيجتها عامة! ..
لقد عادت خطيئة أفراد قليلين في جيش المسلمين، بالوبال عليهم جميعا، بحيث لم ينج حتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، من نتائجها، وتلك هي سنة الله في الكون، لم يمنعها من الاستمرار أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم موجود في ذلك الجيش، وأنه أحب الخلق إلى ربه جلّ جلاله.
فتأمل أنت في نسبة خطيئة أولئك الأفراد، إلى أخطاء المسلمين المتنوعة اليوم، والمتعلقة بشتى نواحي حياتنا العامة والخاصة. تأمل هذا لتتصور مدى لطف الله بالمسلمين إذ لا يهلكهم بما تكسب أيديهم، وبتقاعسهم حتى عن أداء واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاجتماع في كلمة واحدة على ذلك.
وإذا تأملت في هذا، علمت الجواب عن سؤال بعضهم اليوم، عن الحكمة من أن الشعوب الإسلامية تظل مغلوبة على أمرها، أمام الدول الباغية الأخرى، على الرغم من أن هؤلاء كفرة وأولئك مسلمون.
ثامنا: لقد رأينا أن النبي صلّى الله عليه وسلم أوذي كثيرا في هذه الفترة، فوقع لشقه، وشجّ رأسه، وكسرت رباعيته، وساح الدم غزيرا في وجهه، وكل ذلك جزء من نتائج تلك الخطيئة.. خطيئة أولئك المسلمين في الخروج على أوامر القائد. ولكن ما الحكمة في أن يشيع خبر مقتل رسول الله صلّى الله عليه وسلم في صفوف المسلمين؟! ..
والجواب: أن ارتباط المسلمين برسول الله صلّى الله عليه وسلم ووجوده فيما بينهم كان له من القوة بحيث لم يكونوا يتصورون فراقه ولم يكونوا يتخيلون قدرة لهم على التماسك من بعده، فكان أمر وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلم شيئا لا يخطر لهم في بال، وكأنهم كانوا يسقطون حساب ذلك من أذهانهم، ولا ريب أنهم لو استيقظوا من غفلتهم هذه على خبر وفاته الحقيقية، لصدّع الخبر أفئدتهم، ولزعزع كيانهم الإيماني بل لقوّضه في نفوس كثير منهم.
فكان من الحكمة الباهرة أن تشيع هذه الشائعة، تجربة درسيّة بين تلك الدروس العسكرية العظيمة، كي يستفيق المسلمون من ورائها إلى الحقيقة التي ينبغي أن يوطنوا أنفسهم لها منذ الساعة، وأن لا يرتدوا على أعقابهم إذا وجدوا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد اختفى مما بينهم.
ومن أجل بيان هذا الدرس الجليل نزلت الآية تعليقا على ما أصاب كثيرا من المسلمين من ضعف وتراجع لدى سماعهم نبأ مقتل رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وذلك إذ يقول الله تعالى: