للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليس ثمة فرق بين أن يكون ذلك في حياته صلّى الله عليه وسلم أو بعد وفاته، فآثار النّبي صلّى الله عليه وسلم وفضلاته، لا تتصف بالحياة مطلقا، سواء تعلق التّبرك والتّوسل بها في حياته أو بعد وفاته، كما ثبت في صحيح البخاري في باب شيب رسول الله صلّى الله عليه وسلم.

ومع ذلك، فقد ضلّ أقوام لم تشعر أفئدتهم بمحبة رسول الله صلّى الله عليه وسلم وراحوا يستنكرون التّوسل بذاته صلّى الله عليه وسلم بعد وفاته، بحجة أن تأثير النّبي صلّى الله عليه وسلم قد انقطع بوفاته، فالتّوسل به، إنما هو توسل بشيء لا تأثير له ألبتة!

وهذه حجة تدل- كما ترى- على جهل عجيب جدا! ..

فهل ثبت لرسول الله صلّى الله عليه وسلم تأثير ذاتي في الأشياء في حال حياته، حتى نبحث عن مصير هذا التأثير من بعد وفاته؟!. إن أحدا من المسلمين لا يستطيع أن ينسب أي تأثير ذاتي في الأشياء لغير الواحد الأحد جلّ جلاله، ومن اعتقد خلاف هذا يكفر بإجماع المسلمين كلهم.

فمناط التّبرك والتّوسل به أو بآثاره صلّى الله عليه وسلم، ليس هو إسناد أي تأثير إليه، والعياذ بالله وإنما المناط، كونه صلّى الله عليه وسلم أفضل الخلائق عند الله على الإطلاق، وكونه رحمة من الله للعباد فهو التّوسل


اشمئزاز، بل ما أكثر ما يبارك كتاب، وأدباء، وشعراء، هذا الشذوذ (الوردي) ، وما أسهل أن يتصوروه أو يصوروه تجسيدا رائعا للهيجان الخمري المعتّق! .. حتى إذا رأى صورة ذلك الحب العلوي الذي ينسكب في المشاعر من القلب والعقل معا، وأبصر شيئا من آثاره في حياة صاحبه وسلوكه، تعجب واستغرب، واصطنع التأفف والاشمئزاز، وأخذ يندب اللباقة والذوق الرفيع! ... ألا، فليعلم هذا الرجل وأمثاله أن كل شيء في الدنيا يخضع لقانون مستقل عنه، إلا الحب، فلن تراه خاضعا إلا لقانونه ذاته! .. والويل كل الويل لمن كان حب قلبه تمردا على عقله. وليهنأ ذاك الذي كان حبه القلبي تجاوبا مع قراره العقلي. وحسب أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم شرفا وفخرا أن الحب الذي استبد بقلوبهم لرسول الله، كان شعاع إيمانهم العقلي بصدق نبوته، وسمّو مكانته عند رب العالمين جلّ جلاله. فليفعل بهم هذا الحب ما يشاء، وليحملهم على التبرك والتمسّح بعرقه وبصاقه وما يتساقط من شعره وما يتقاطر من ماء وضوئه.. فإنما هي لغة الحب.. ولا تصاغ لغة الحب إلا في داخل بوتقته ولا يتحكم بها غيره. وإني لأعلم أن في الناس اليوم من لو رأت أعينهم محمدا صلّى الله عليه وسلم، يمشي على الأرض، لهاج بهم هائج الحب، ولخرّوا إلى الأرض، يلعقون الثرى الذي سما وازدهى تحت قدمي رسول الله! .. ولا يخاصم منطق الحب هذا إلا من يقارعه بمنطق الكراهية والبغض. وخصومة كهذه، لا يقرها منطق ولا يدعمها عقل، إذ من البدهي أن الجدل حول أمر ما، لا يتحرك ويتفاعل إلا فوق أرض من اليقين بحقيقة مشتركة بين الطرفين. وقد التقطت حكمة الدهر كلمة قيل إن مجنون بني عامر قالها يوم سمع أن في الناس من يعيب عليه وينتقده لتعلقه بليلى، وهي فيما زعموا سمراء دميمة. فقال: لو نظروا إليها بعيني لعلموا أنهم مخطئون.

<<  <   >  >>