قوله:(والغيب لا يعلمه إلا الله تعالى، فمن ادعى أنه يعلم الغيب فهو كافر يجب تكذيبه، ولو تكهَّن بشيء فوقع فهو من باب الموافقة، قال رسول الله ﷺ:«مَنْ أتى كاهنًا أو عرّافًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد» رواه الإمام أحمد والحاكم (١): هذا الحديث تضمَّن التحذير من إتيان الكُهَّان وسؤالهم وتصديقهم، وأنَّ مَنْ أتى كاهنًا أو عرَّافًا فسألَه عن شيءٍ فصدقه بما يخبره به فقد كفر بما أُنزل على محمد ﷺ وهو القرآن؛ لأنَّ الكاهن يدَّعي علم الغيبِ، ومَن يسأله ويصدقه قد كفر بقوله تعالى: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [النمل: ٦٥]، فلا أحد من الخلق يعلمُ الغيبَ حتى الرسل إلا ما يُطلعهم الله عليه، ولهذا أمر الله نبيه أن يقول للناس: ﴿لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ﴾ [الأنعام: ٥٠]، وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (٢٥) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ [الجن]، ومما ينبغي أن يُعلم أنَّ الغيبَ نوعان: غيبٌ مطلقٌ، وهو ما لا يعلمه إلا الله؛ كعدد الملائكةِ والخمس المذكورة في آية لقمان: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ [لقمان: ٣٤].
والنوع الثاني: غيبٌ نسبيٌّ، وهو ما يعلمُه بعضُ الخلق دون بعض بأسبابٍ كونية أو شرعية؛ كعدد الأنبياءِ، وأعدادِ الشعوب، فمَن ادَّعى
(١) أخرجه أحمد (٩٥٣٦)، والحاكم (١٥)، ومن طريقه البيهقي (١٦٥٧٤) عن أبي هريرة ﵁. ونقل المناوي في فيض القدير (٦/ ٢٣) عن الحافظ العراقي أنه قال في أماليه: «حديث صحيح». وصححه الذهبي في المهذب في اختصار السنن (١٢٧٩٩). وينظر: الصحيحة (٣٣٨٧)، وإرواء الغليل (٢٠٠٦).