للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا بذكر حقيقتها؛ فحقيقتها: أنَّ للإنسان أن يتصرف في نفسه بما شاء بلا حدود ولا قيود في لباسه وأكله وشربه، ويتصرف في ماله كيف شاء، وهذا مناقض لموجب شريعة الإسلام؛ فإن شريعة الإسلام تقتضي التقيُّد بأحكامها، لذا يجب على الإنسان التقيُّد بشرع الله في جميع تصرفاته الشخصية، وفي المقابل لا يجوز الحجر عليه في شؤونه الخاصة إلا بدليل من كتاب وسنة، وما لا دليل عليه لا يُلتفت إليه، ودين الإسلام هو الوسط في كل شيء فلا إفراط ولا تفريط، وتتحقق هذه الوسطية في تصرفات الإنسان بالعمل بأوامر الله ونواهيه، فيما يأتي الإنسان ويذر من العلاقات والمعاملات وكذا العادات، ومن أهم ما نبه عليه الشيخ في موضوع الحرية الشخصية: تحريم التشبه بالكفار في عباداتهم وعاداتهم الخاصة بهم، وأن ذلك لا يدخل في الحرية الشخصية، بل يجب على المسلم أن يتميز عن الكفار؛ فإن التشبه بهم في عوائدهم مما يَهْوَوْنه، وقد قال الله تعالى لنبيه: ﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (١٨)[الجاثية]، وقال محذرًا عن التشبه بالكفار: «مَنْ تشبَّه بقوم فهو منهم» (١) حتى قال بعض أهل العلم: إن الحديث يدل على أن مِنْ التشبه ما يكون كفرًا (٢)، ولكن الشيخ قد استدرك فنبَّه على أن الانتفاع بعلوم الكفار في شؤون الحياة لا يدخل في التشبه الممنوع؛ لأن العلوم الدنيوية مشتركة بين


(١) أخرجه أحمد (٥١١٥)، وأبو داود (٤٠٣١) عن عبد الله بن عمر ، وقال ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (١/ ٢٦٩): «وهذا إسنادٌ جيِّد»، وحسنه ابن حجر في فتح الباري (١٠/ ٢٧١). وينظر: إرواء الغليل (١٢٦٩).
(٢) ينظر: اقتضاء الصراط المستقيم (١/ ٢٧٠ - ٢٧١).

<<  <   >  >>