للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كنت على الكافرين عذابا صبا، وللمسلمين غيثا وخصبا، فطرت والله بغنائها، وفزت بجبائها، وذهبت بفضائلها، وأدركت سوابقها، لم تُفَل حجتك، ولم تضعُف نصرتك، ولم تختر نفسَك، ولم يزغ قلبك، كنت كالجبل، فلا تحركه العواصف، ولا تزيله القواصف، كنت كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أمَنَّ الناس عليه في صحبتك وذات يدك» وكنت ضعيفا في بدنك، قويا في أمر الله، متواضعا في نفسك، عظيما عند الله، جليلا في أعين المؤمنين، كبيرا في أنفسهم، لم يكن لأحد فيك مغمز، ولا لقائل فيك مهمز، ولا لأحد فيك مطمع، ولا لمخلوق عندك هوادة، الضعيف الذليل عندك قوي عزيز حتى تأخذ له بحقه، والقوي العزيز عندك ذليل حتى تأخذ منه الحق، القريب والبعيد في ذلك سواء، أقرب الناس إليك أطوعهم لله وأتقاهم له، شأنك الحق والصدق والرفق، قولك حق وحتم، وأمرك حكم وحزم، ورأيك علم وعزم، فأقلعت وقد نهج السبيل، وسهل العسير، وأُطْفئت النيران، وقوي الإيمان، واعتدل بك الدين، وثبت الإسلام والمسلمون، وقوي الإيمان، وظهر أمر الله ولو كره الكافرون، فسبقت والله سبقا بعيدا، وأتعبت من بعدك إتعابا شديدا، وفزت بالخير، فجللت عن البكا، وعظمت رزيتك في السماء، وهدت مصيبتك الأنام، فإنا لله وإنا إليه راجعون، رضينا عن الله قضاءه، وسلمنا له أمره، فو الله لن يصاب المسلمون بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمثلك أبدا، كنت للدين عزا وحرزا وكهفا، وللمؤمنين فيئا وحصنا وغيثا، فألحقك الله بميتة نبيك، ولا أحرمنا أجرك، ولا أضلنا بعدك، فإنا لله وإنا إليه راجعون"، فسكت الناس حتى انقضى كلامه، ثم بكوا عليه حتى علت أصواتهم، وقالوا: صدقت يا ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (١)، وقال - رضي الله عنه -: لله بلاء أبي بكر لقد قوم الأود، وداوى العلل، واقام السنة، وخلف البدعة، وذهب نقي الثوب، قليل العيب، أصاب خيرها واتقى شرها، أدى لله طاعة واتقاه بحقه. . . . الخ (٢)، هذا كلام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، نطق بالحق في تأبين أبي بكر - رضي الله عنه -، وشهد بما علم، وأنعم بشهادة من عرف لله حقه ولرسول الله حقه، ولأبي بكر حقه، وقال محمد بن


(١) نهج البلاغة نقلا عن العواصم من القواصم ١/ ٢٧٥.
(٢) انظر: السنة لأبي بكر بن الخلال ١/ ٢٨٤ - بتصرف - وانظر: الشريعة للآجري ٤/ ١٧٢٥.

<<  <   >  >>