للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحنفية رحمه الله: قلت لأبي: "يا أبت، من خير الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: يا بني، أو ما تعرف؟ ! فقلت؟ لا، قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: عمر، وخشيت أن يقول: ثم عثمان! فقلت: ثم أنت؟ فقال: ما أنا إلا رجل من المسلمين" (١)، ولما توفي أبو بكر - رضي الله عنه - تزوج علي - رضي الله عنه - أسماء بنت عميس بعده وربا ابنه محمد صغيرا، وولاه كبيرا على مصر ونشبت بينه وبين عمرو بن العاص حرب سنة (٣٨) (٢)، كان عمرو - رضي الله عنه - في صف معاوية - رضي الله عنه -، وكان الحكم مع أبي موسى - رضي الله عنه - فمكر بأبي موسى، وقد اتفقا على أن يخلع كل منهما صاحبه ويختار الناس، فلم يفعل عمرو - رضي الله عنه -، اجتهد فأخطأ، وقد ندم عند فاته - رضي الله عنه - فقال: "اللهم إنك أمرت عمرو بن العاص بأشياء فتركها، ونهيته عن أشياء فارتكبها، فلا إله إلا أنت، لا إله إلا أنت.

قالها ثلاثا جامعا يديه معتصما بهما حتى قبض (٣).

قال ابن شماسة المهري: "حضرنا عمرو بن العاص، وهو في سياقة الموت، يبكي طويلا، وحول وجهه إلى الجدار، فجعل ابنه يقول: يا أبتاه، أما بشرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكذا؟ ، أما بشرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكذا؟ ، قال: فأقبل بوجهه، فقال: إن أفضل ما نعد شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، إني قد كنت على أطباق ثلاث، لقد رأيتني وما أحد أشد بغضا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مني، ولا أحب إلي أن أكون قد استمكنت منه، فقتلته، فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار، فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال: فقبضت يدي، قال: «ما لك يا عمرو؟ » قال: قلت: أردت أن أشترط، قال: ... «تشترط بماذا؟ » قلت: أن يغفر لي، قال: «أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأن الحج يهدم ما كان قبله؟ » وما كان أحد أحب إلي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت؛ لأني لم أكن أملأ عيني منه، ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة، ثم ولينا أشياء ما أدري


(١) شرح الطحاوية ت الأرناؤوط ٢/ ٧١٠، انظر: السنة لأبي بكر بن الخلال ١/ ٢٩١ ..
(٢) أنظر: سمط النجوم العوالي ٢/ ٤٦٣، والرياض النظرة في مناقب العشرة ١/ ٢٦٧.
(٣) الطبقات الكبرى ط العلمية ٧/ ٣٤٢.

<<  <   >  >>