فصلى عبد الرحمن بن عوف بالناس، وقيل لعمر: الصلاة فصلى وجرحه يثعب، وقال:"لا حظ في الاسلام لمن لا صلاة له" فصلى ودمه يثعب، ثم انصرف الناس عليه فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنه ليس بك بأس، وإنا لنرجو أن ينسئ الله في أثرك ويؤخرك إلى حين، أو إلى خير، فدخل عليه ابن عباس وكان يعجب به، فقال:"اخرج فانظر من صاحبي؟ " ثم خرج فجاء فقال: أبشر يا أمير المؤمنين، صاحبك أبو لؤلؤة المجوسي: عبد المغيرة بن شعبة، فكبر حتى خرج صوته من الباب، ثم قال:"الحمد لله الذي لم يجعله رجلا من المسلمين، يحاجني بسجدة سجدها لله يوم القيامة" ثم أقبل على القوم فقال: "أكان هذا عن ملإ منكم؟ " فقالوا: معاذ الله، والله لوددنا أنا فديناك بآبائنا، وزدنا في عمرك من أعمارنا، إنه ليس بك بأس، قال:"أي يرفأ، ويحك، اسقني" فجاءه بقدح فيه نبيذ حلو فشربه، فألصق رداءه ببطنه، قال: فلما وقع الشراب في بطنه خرج من الطعنات، قالوا: الحمد لله، هذا دم استكن في جوفك، فأخرجه الله من جوفك، قال: أي يرفأ، ويحك، اسقني لبنا، فجاء بلبن فشربه، فلما وقع في جوفه خرج من الطعنات، فلما رأوا ذلك علموا أنه هالك، قالوا: جزاك الله خيرا، قد كنت تعمل فينا بكتاب الله، وتتبع سنة صاحبيك، لا تعدل عنها إلى غيرها، جزاك الله أحسن الجزاء، قال:"بالإمارة تغبطونني، فو الله لوددت أني أنجو منها كفافا لا علي ولا لي، قوموا فتشاوروا في أمركم، أمروا عليكم رجلا منكم، فمن خالفه فاضربوا رأسه" قال: فقاموا وعبدالله بن عمر مسنده إلى صدره، فقال عبدالله:"أتؤمرون وأمير المؤمنين حي؟ "، فقال عمر:"لا، وليصل صهيب ثلاثا، وانتظروا طلحة، وتشاوروا في أمركم، " قال: "اذهب إلى عائشة فاقرأ عليها مني السلام، وقل: إن عمر يقول: إن كان ذلك لا يضر بك ولا يضيق عليك، فإني أحب أن أدفن مع صاحبي، وإن كان يضربك ويضيق عليك، فلعمري لقد دفن في هذا البقيع من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمهات المؤمنين من هو خير من عمر" فجاءها الرسول فقالت: "إن ذلك لا يضر ولا يضيق عليّ" قال: "فادفنوني معهما" قال عبدالله بن عمر: "فجعل الموت يغشاه وأنا أمسكه إلى صدري" قال: "ويحك ضع رأسي بالأرض" قال: "فأخذته غشية فوجدت من ذلك"