للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما قال معاوية - رضي الله عنه - في مدح قريش، وقال أحدهم: "أما ما ذكرت من قريش فإنها لم تكن أكثر العرب ولا أمنعها في الجاهلية فتخوفنا" (١).

فقال معاوية: "عرفتكم الآن، علمت أن الذي أغراكم على هذا قلة العقول، وأنت خطيب القوم ولا أرى لك عقلا، أُعظِّم عليك أمر الإسلام، وأذكّرك به، وتذكّرني الجاهلية، وقد وعظتك" (٢). ثم قال - رضي الله عنه -: "إن قريشا لم تُعَز في جاهلية ولا إسلام إلا بالله - عز وجل -، لم تكن بأكثر العرب، ولا أشدهم، ولكنهم كانوا أكرمهم أحسابا، وأمحضهم أنسابا، وأعظمهم أخطارا، وأكملهم مروءة، ولم يمتنعوا في الجاهلية والناس يأكل بعضهم بعضا إلا بالله الذي لا يُستذل من أعز، ولا يوضع من رفع، فبوأهم حرما آمنا يتخطف الناس من حولهم، هل تعرفون عربا، أو عجما، أو سودا، أو حمرا، إلا قد أصابه الدهر في بلده وحرمته بدولة، إلا ما كان من قريش، فإنه لم يردهم أحد من الناس بكيد إلا جعل الله خده الأسفل، حتى أراد الله أن يستنقذ من أكرم واتبع دينه من هوان الدنيا، وسوء مرد الآخرة، فارتضى لذلك خير خلقه، ثم ارتضى له أصحابا، فكان خيارهم قريشا، ثم بنى هذا الملك عليهم، وجعل هذه الخلافة فيهم، ولا يصلح ذلك إلا عليهم، فكان الله يحوطهم في الجاهلية وهم على كفرهم بالله، أَفَتراه لا يحطوهم وهم على دينه، وقد حاطهم في الجاهلية من الملوك الذين كانوا يدينونكم! أفٍ لك ولأصحابك! " (٣).

أذن لهم معاوية - رضي الله عنه - بعد كلام طويل اقتبسنا منه ما تقدم، وقال - رضي الله عنه -: "اذهبوا حيث شئتم، فإني كاتب إلى أمير المؤمنين فيكم" (٤)، وهؤلاء هم أول الخوارج.

كتب معاوية - رضي الله عنه - إلى عثمان - رضي الله عنه -، مبينا ضلالهم وفساد معتقدهم، وأن الله سيفضحهم، ويكشف أسرارهم، وتمادى القوم في طلب الفتنة، فلم يفجأ الناس في يوم جمعة إلا والأشتر على باب المسجد يقول: "أيها الناس إني قد جئتكم من عند أمير المؤمنين عثمان، وتركت سعيدا يريده على نقصان نسائكم على مائة درهم، وردّ أولى البلاء


(١) الفتنة ووقعة الجمل ١/ ٣٧.
(٢) الفتنة ووقعة الجمل ١/ ٣٧.
(٣) نهاية الأرب في فنون الأدب (١٩/ ٤٦٣، والفتنة ووقعة الجمل ١/ ٣٨.
(٤) الفتنة ووقعة الجمل ١/ ٣٩.

<<  <   >  >>