والمؤمنين، كم خسئوا وانقلبوا صاغرين، ومع ذلك لم يسلم عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من محاولاتهم وكانوا في ضعف، فقد مكن الله أمر الإسلام بخلافة أبي بكر - رضي الله عنه -، وكسر شوكة أهل الشك والعناد، وكان عهد عمر - رضي الله عنه - قوة أخرى أعز الله بها الإسلام، إنه الفاروق يهرب منه كل شيطان من الجن والإنس، وكان حريصا كل الحرص على حماية الإسلام، ولاسيما جانب التوحيد، فقد أمر بقطع الشجرة التي بايع الأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحتها، وسميت البيعة فيما بعد بيعة الرضوان، وكذلك لما رأى كثرة الذكر لخالد بن الوليد سيف الله، وما يحكى من مهاراته في الجهاد، وحسن قيادته، ودقة تدبيره وتخطيطه لأمور الجيش المعارك، خشي أن يفتن الناس به، فيظنون به ما ليس فيه، فالتوحيد شأنه أعظم من قيادة خالد - رضي الله عنه -، وقد تقبل خالد ذلك الإجراء بصدر رحب، فهو من مدرسة محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولم يظن بعمر إلا الخير، قال أحد القساوسة لخالد - رضي الله عنه -: "أيها السيد إني قد تفرست فيك الشجاعة فبالله من أنت من أصحاب محمد" فقال: أنا خالد بن الوليد المخزومي فقال: "أنت وحق ديني الذي فتحت بلاد الشام، وأذللت ملوكها وبطارقها، وإن صفتك عندي" ثم إنه دخل الدير وأتى ومعه سفط ففتحه، وإذا فيه بين أوراقه ورقة وفيها صفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وزيه وصورته، وصورة أبي عبيدة - رضي الله عنه -، وصورة خالد بن الوليد - رضي الله عنه - والسيف في يده مشهور.
قال:"ما زلت أسمع أخبارك كلها، فلم عزلك عمر بن الخطاب وولى غيرك؟ ! ".
فقال خالد: "اعلم أن عمر هو الإمام وهو الخليفة، ومهما أمرنا فلا نخالفه، فإن الله أمرنا بذلك في كتابه فقال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}(١)، فطاعته فرض علينا، لأنه يحكم بالعدل، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وإنا قد وجهنا إليه خمس الغنائم من الفتوح كلها من الأموال، فما ازداد في الدنيا إلا زهدا، ولا آثر الدنيا على الآخرة، بل مجلسه على التراب، ولباسه المرقعة، ويمشي في سوق المدينة متواضعا راجلا، فالتواضع لباسه، والتقوى أساسه، والذكر شعاره، والعدل في الرعية دثاره، وما زال يعطف على اليتيم،