للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ابن عباس رضي الله عنهما، قدروا بأربعة آلاف (١)، وبقي من كتبت عليهم الشقوة على ضلالهم.

ولو كانوا طلاب حق لما خفي عليهم الأمر سواء في عهد عثمان - رضي الله عنه - أو عهد علي - رضي الله عنه -، فالصحابة كثر وكتاب الله محكَّم، وسنة رسول الله ناطقة بالحق، ولكن لهم غاية أبعد من الحق وهو الباطل، الذي اتخذوه شرعة ومنهاجا لتكفير عثمان ثم علي رضي الله عنهما، وتكفير من كان معهما على الحق، ولم يخف أمرهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك عُدّ قتلهم من قبل علي - رضي الله عنه - فتحا من أجل الفتوح، لأنهم كانوا لا يرون طاعة خليفة، ولا يرونها في قرشي، وكان ضررهم معلوما (٢)، وكانت علامتهم ما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما روى أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقسم قسما (٣)، فأتاه رجل من بني تميم يقال له: ذو الخويصرة فقال: يا رسول الله! اعدل، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «هاك لقد خبت وخسرت إن لم أعدل» فقال عمر - رضي الله عنه -: دعني يا رسول الله أقتله، فقال: «لا، إن لهذا أصحابا يخرجون عند اختلاف من الناس. . . .» الحديث تقدم ذكره (٤).

وذو الثُّدية هو: حرقوس بن زهير، أحد الخوارج يوم النهروان، قاتلهم علي - رضي الله عنه -، وتفقد قتلاهم، فاستخرج من بينهم ذا الثُّدية، فرآه ناقص اليد، ليس فيها عظم، طرفها حلمة مثل الثدي، عليها خمس شعرات أو سبع، رؤوسها معقفة، ثم نظر إلى عضده فإذا لحم مجتمع على منكبه كثدي المرأة (٥)، حينها سجد علي شكرا لله - عز وجل - لما رأى ذا الثُّدية في القتلى، لأن ذلك كان علامة على أنه - رضي الله عنه - على الحق (٦).

يتلخص من هذا أن نابتة الخوارج أولهم ذو الخويصرة التميمي، وأن شوكتهم تقوى عند اختلاف الناس، وحصل الاختلاف على عثمان - رضي الله عنه - فبرز ناب الخوارج ليكسر الوحدة الإسلامية، وتبلور في عهد علي - رضي الله عنه -، وامتد شرهم بعد ذلك.


(١) البداية والنهاية ٧/ ٣١٢.
(٢) جوامع السيرة ١/ ٣٤٠.
(٣) قيل: يوم خيبر، وقيل يزم حنين.
(٤) أخرجه البخاري ومسلم.
(٥) مروج الذهب ٤/ ٤١٦.
(٦) انظر: زاد المعاد ٣/ ٥١١.

<<  <   >  >>