للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسلمين، وحضر من المهاجرين أبو بكر وعمر وأبو عبيدة - رضي الله عنهم - لما علموا باجتماع الأنصار على رأس سيدهم، فتكلم أبو بكر - رضي الله عنه -؛ حمد الله وأثنى عليه ثم قال: "يا معشر الأنصار، إنا والله ما ننكر فضلكم، ولا بلاءكم في الإسلام، ولا حقكم الواجب علينا، ولكنكم قد عرفتم أن هذا الحي من قريش بمنزلة من العرب، ليس بها غيرهم، وأن العرب لن تجتمع إلا على رجل منهم، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء، فاتقوا الله ولا تصدعوا الإسلام، ولا تكونوا أول من أحدث في الإسلام، ألا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين - قال عمر: لي، ولأبي عبيدة بن الجراح - فأيهما بايعتم فهو لكم ثقة"، قال: عمر - رضي الله عنه - "فو الله ما بقي شيء كنت أحب أن أقوله إلا وقد قاله يومئذ، غير هذه الكلمة - يعني ترشيحه - فو الله لأن أقتل ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا في غير معصية، أحب إلي من أن أكون أميرا على قوم فيهم أبو بكر، قال: ثم قلت: يا معشر الأنصار، يا معشر المسلمين، إن أولى الناس بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بعده ثاني اثنين إذ هما في الغار: أبو بكر السبّاق المبين، ثم أخذت بيده وبادرني رجل من الأنصار، فضرب على يده قبل أن أضرب على يده، ثم ضربت على يده وتتابع الناس" (١)، فصدق قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة رضي الله عنها: «ادعي لي أباك وأخاك، حتى اكتب لأبي بكر كتابا، فإني أخاف أن يتمنى متمن، ويقول قائل، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر» (٢)، ولم يكتب - صلى الله عليه وسلم - شيئا، وأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر - رضي الله عنه -، واجتمعت عليه الكلمة، ولم ينازع في ذلك بقول ولا فعل، لا من الأنصار وسيدهم سعد بن عبادة - رضي الله عنهم -، ولا من علي وبني هاشم - رضي الله عنهم -، وعلموا أن ذلك اختيار من الله - عز وجل - لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقد تخلف سعد بن عبادة - رضي الله عنه - عن بيعة أبي بكر - رضي الله عنه -، وخرج من المدينة ولم ينصرف إليها إلى أن مات بحوران من أرض الشام (٣) قد يكون في نفسه شيء، لكنه - رضي الله عنه - لم ينازع في الأمر، ولم يغمز أبا بكر ولا أحدا من المهاجرين؛ فهو يعلم مكانة أبي بكر في الإسلام وعند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكي يحمي نفسه من حب السيادة على الأمة خرج من


(١) أخرجه ابن أبي شيبة، المصنف (٨/ ٥٧١).
(٢) أخرجه مسلم حديث (٢٣٨٧) ..
(٣) الاستيعاب ١/ ١٧٩.

<<  <   >  >>