للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المدينة إلى الشام، وطابت نفس علي - رضي الله عنه - وبايع أبا بكر، وسارت الأمور على خير ما يرام، حتى وفاة عثمان - رضي الله عنه - والوحدة الإسلامية في أوج كمالها بحماية الله ثم حماية أبي بكر والمسلمين لها، لم يسع الناس إلا بمسمى واحدا للمسلمين: فيرددون: فتح المسلمون، خرج المسلمون، انتصر المسلمون، عاد المسلمون، لا خوارج ولا شيعة ولا صوفية، ولا أي بلية أخرى.

فكانت البلوى بعد البلية الأولى قتل عثمان - رضي الله عنه - المشهود له بالجنة عليها، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما استأذن عثمان بعد استئذان أبي بكر وعمر - رضي الله عنهم -: «ائذن له وبشره بالجنة، على بلوى تصيبه» (١)، صدق رسول الله - رضي الله عنه - إنها بلوى ليست على عثمان المأجور عليها، بل على الأمة التي أصابها الصدع الأول في الوحدة الإسلامية، فكان قتل عثمان من قبل قوم تعدوا وظلموا ثلما مؤثرا في جسد الأمة، وهو الباب الذي كسر على قولٍ، وقيل الباب عمر، وهو ما أخبر به حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - أمين سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حين قال عمر - رضي الله عنه - لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيكم سمع قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الفتنة؟ "، فقال حذيفة: أنا سمعته يقول: «فتنة الرجل في أهله وماله وجاره، يكفر ذلك الصوم والصلاة والصدقة» فقال عمر: "ليس هذا أريد ولكن قوله في الفتنة التي تموج كموج البحر، يتبع بعضها بعضا" قال: "فلا تخفها يا أمير المؤمنين فإن بينك وبينها بابا مغلقا" فقال: "كيف بالباب أيفتح، أو يكسر؟ "، قال: "بل يكسر، ثم لا يغلق إلى يوم القيامة" (٢)، والمراد بكسر الباب قتل عثمان - رضي الله عنه -، أو قتل عمر، وفعلا هو الباب الذي كسر بعد موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعبر بالكسر إشارة إلى عدم إمكان إصلاحه ليغلق مرة أخرى أمام الفتن، فلا غلق إلى قيام الساعة، وتتوالى الفتن من ذلك الحدث إلى أن تقوم الساعة، ولذلك كثر التحذير من الفتن؛ لأنها ابتلاء واختبار من الله - عز وجل - لهذه الأمة، وقل من يجوز ذلك بنجاح، قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (٣)، وهي تمحيص للإيمان، ولكن المبعوث رحمة


(١) البخاري حديث (٣٦٧٤).
(٢) الفتن لنعيم بن حماد ١/ ٢٣ ..
(٣) الآية (١٥٥) من سورة البقرة.

<<  <   >  >>