للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حدث أول خلاف في الإسلام لم يجبر، كان عثمان - رضي الله عنه - الباب الذي كسر لتندلع الفتن في الأمة، الفتنة تلو الفتنة لأسباب وأغراض شتى، فلعن الصحابة من قتل عثمان - رضي الله عنه -، ولعنت عائشة، وأمَّن الناس، فسمع ذلك على - رضي الله عنه - فقال: "اللهم العن قتله عثمان، اللهم العن قتله عثمان (١)، وقام خطيباً فحمد الله، وذكر الجاهلية وشقاءها، والإسلام والسعادة، وإنعام الله على الأمة بالجماعة بالخليفة بعد رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه، ثم حدث هذا الحدث، الذي جره على هذه الأمة أقوام طلبوا هذه الدنيا، وحسدوا من أفاءها الله عليه وعلى الفضيلة، وأرادوا رد الإسلام والأشياء على أدبارها، والله بالغ أمره" (٢)، وصدق علي - رضي الله عنه - فيما قال، ولكن الضلال أخذ من قتلة عثمان مأخذه، وطالب الناس عليا بقتل قتلة عثمان، حتى إن الزبير ابن عمة على - رضي الله عنهم - خرج لقتال علي ومعه طلحة وأم المؤمنين عائشة، فالتقى عليا رضي الله عنهما، وتحاورا حول ذلك الأمر إلى أن قال علي للزبير رضي الله عنهما: "تذكر يوم مررت مع رسول الله، - صلى الله عليه وسلم - في بني غنم فنظر إلي فضحك وضحكت إليه، فقلتَ له: لا يدع ابن أبي طالب زهوه، فقال لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ليس به زهو، لتقاتلنه وأنت ظالم له» قال الزبير: اللهم نعم، ولو ذكرت ما سرت مسيري هذا، والله لا أقاتلك أبداً"، فانصرف علي إلى أصحابه فقال: "أما الزبير فقد أعطى الله عهداً أن لا يقاتلكم"، ورجع الزبير إلى عائشة فقال لها: "ما كنت في موطن منذ عقلت إلا وأنا أعرف فيه أمري غير موطني هذا"، قالت: "فما تريد أن تصنع؟ قال: أريد أن أدعهم وأذهب" (٣)، لكنها فتنة هاج الناس فيها وماجوا، وصاروا مختلفين في الرأي والغاية، منهم المنتصر لعثمان - رضي الله عنه -، ومنهم المنتصر لعلي - رضي الله عنه -، ومنهم الطامع فيما وراء ذلك من حظ الدنيا.


(١) الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء ٤/ ٣٩٠.
(٢) الكامل ٢/ ٤١.
(٣) الكامل ٢/ ٤٤ ..

<<  <   >  >>