للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تأويل الجاهلين وانتحال المبطلين وتحريف الغالي» (١)، فقد ورث الصحابة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علم الكتاب والسنة، وهم خلفه - صلى الله عليه وسلم - واجتهد الخلفاء الراشدون - رضي الله عنهم - فيما حدث في زمنهم من قضايا لم يرد فيها نص من كتاب ولا سنة، فكانوا خير الناس، وكان زمنهم خير الأزمان، إذ حفظوا للأمة المحمدية كل شيء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقامت دولة الخلافة الراشدة على أزكى ما يكون من العدل والمساواة، وسياسة الأمة بذلك في شئون الدنيا والآخرة، حتى لكأنك ترى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتسمع صوته، لكثرة ما يلتزم كل واحد منهم - رضي الله عنهم - بأداء ما سمع من رسول الله بكل صدق وأمانة وإخلاص، وكان يستوثق بعضهم بعضا فيما سمع حتى يروي الحديث الواحد العشرات منهم - رضي الله عنهم -، وجاء بعد الصحابة التابعون رحمهم الله.

ولم يكن حرص الصحابة - رضي الله عنهم - على السماع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاصرا على النص القرآني الكريم، بل كانوا يرقبون ألفاظه وحركاته وسكناته، ليعلموا المراد من ذلك، الذكور منهم والإناث على حد سواء، فما أكثر ما تجد في السنة قول الصحابي سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول كذا وكذا، كقول النعمان بن بشير: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الحلال بين والحرام بين ... » (٢)، ولم يكتفوا بالسماع فما أكثر ما تجد في السنة قول الصحابي: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كذا وكذا، كقول عائشة رضي الله عنها: "سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الالتفات في الصلاة" (٣)، ولم يكف ذلك بل كانوا يرصدون أفعاله، فما أكثر ما تجد الصحابي يقول: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل كذا وكذا، وكقول عائشة رضي الله عنها: "كنت قاعدة أغزل، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخصف نعله، فجعل جبينه يعرق، وجعل عرقه يتولد نورا، فبُهت،


(١) أخرجه البيهقي، السنن الكبير (٢١٤٣٩).
(٢) أخرجه البخاري حديث (٥٢).
(٣) أخرجه البخاري حديث (٧٥١).

<<  <   >  >>