للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فنظر إليِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «ما بالك يا عائشة؟ بُهت؟ ! » قلت: جعل جبينك يعرق، وجعل عرقك يتولد نورا، ولو رآك أبو كبير الهذلي لعلم أنك أحق بشعره، قال: وما يقول أبو كبير؟ قلت: يقول:

ومبرءًا من كل غُبَّرِ حيضة ... وفساد مرضعة وداء مغيل

وإذا نظرت إلى أسرة وجهه ... برقت كبرق العارض المتهلل

قالت: فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - وقبل بين عينيَّ" وقال: «جزاك الله يا عائشة خيرا، ما سُررتِ مني كسروري بك» (١)، هذه أم المؤمنين حبيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تقول ما تقول عن حبيبها، ويأبا الزنادقة إلا القدح في طهرها، لعن الله من قدح به، ومن صدقه، ومن أذاعه ونشره، وكقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبس النعل التي ليس فيها شعر، ويتوضأ فيها» (٢)، أو يقول: كنت عند رسول الله فجاء رجل فقال كذا وكذا، كقول عدي بن حاتم - رضي الله عنه -: «كنت عند رسول الله فجاءه رجلان، أحدهما يشكوا العيلة، والآخر يشكو قطع السبيل. . .» (٣)، وأسلوب آخر هو رصد ما يفعله بعض الصحابة بحضور رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيُقر الفاعل على فعله، أو ينهاه عما فعل، ولم يكن ذلك في حال بل في أحوال كثيرة، وأبواب من العلم لا تحصى، بل كان من حرصهم أن من اضطر للغياب عن مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلف بعض من يحضر بالسماع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا عاد سأل صاحبه عن قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد كان عمر - رضي الله عنه - وهو من خواص الصحابة يتناوب النزول إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو وجار له، فينزل عمر - رضي الله عنه - يوما، ويأتي جاره - رضي الله عنه - بما استفاده ذلك اليوم، وينزل جاره يوما، فيأتي عمر بما استفاد ذلك اليوم (٤)، وهذا أنس بن مالك وهو خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «والله ما كل ما نحدثكم به سمعناه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن كان يحدث بعضنا بعضا، ولا يتهم


(١) مختصر خلافيات البيهقي ٤/ ٢٨٤.
(٢) أخرجه البخاري حديث (١٦٦).
(٣) أخرجه البخاري حديث (١٤١٣).
(٤) انظر: البخاري حديث (٢٤٦٨).

<<  <   >  >>