للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعضنا بعضا» (١)، ومنهم من لازم رسول الله وانقطع للأخذ عنه قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: "إن الناس يقولون: أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا، ثم يتلو {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (١٥٩) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (٢)، إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشبع بطنه، ويحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون" (٣)، وأخذ صغار الصحابة عن كبارهم، فكانوا جميعا في الخير كتلة واحدة يأمن بعضهم بعضا، أصفى الناس قلوبا وأصدقهم ألسنة، وأقومهم بالحق، وأقمعهم للباطل، حقا والله هم العدول الأمناء، وقد شهد لهم جميعا بذلك، ولمن بعدهم من التابعين وأتباعهم ومن تبعهم بإحسان، شهد لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «يرث هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تأويل الجاهلين وانتحال المبطلين وتحريف الغالي» (٤)، فورث الصحابة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علم الكتاب والسنة، وهم خلفه - صلى الله عليه وسلم - فتسلسل الصدق المطلق، والوثوق الكامل بتلك المراتب الأربع، وعلى هذا المنهج قامت دولة الخلافة الراشدة على أزكا ما يكون من العدل والمساواة، وسياسة الأمة بذلك في شئون الدنيا والآخرة، بكل صدق وأمانة وإخلاص، وبرزت خيرية القرون الثلاثة، الأمثل فالأمثل، متضمنة رجال البلاغ في المرتبة الخامسة من التابعين وأتباعهم رحمهم الله.


(١) أخرجه الحاكم، المستدرك ١٥/ ٩٤ ..
(٢) الآيتان (١٥٩، ١٦٠) من سورة البقرة.
(٣) البخاري حديث (١١٨).
(٤) أخرجه البيهقي، السنن الكبير (٢١٤٣٩) ..

<<  <   >  >>