للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها منه الناس كلهم فما أسمعُ بشرا من الناس إلا يتلوها، فأخبر سعيد بن المسيب أن عمر قال: "والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعَقِرت حتى ما تُقلني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد مات" (١)، حصل للناس إفاقة من هول ما سمعوا من موت رسول الله - رضي الله عنه - كان قول أبي بكر - رضي الله عنه - بلسما شافيا لتلك الصدمة، بعد هذا انصرف الصحابة إلى التفكير في مصير الأمة المحمدية بعد نبيها، ولا يلزم أن يحضر جميع الصحابة سقيفة بني ساعدة، بل يكفي منهم النخبة ولم يكن ذلك إلا برعاية ربانية، فقد وعد بحفظ الذكر؛ والشريعة الإسلامية برمتها من الذكر، فكان اجتماع الأعيان في سقيفة بني ساعدة أمرا اجتهاديا ليس في أمر الأمة المحمدية بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نص صريح لشخص معين لا من الكتاب العزيز، ولا من السنة النبوية، سوى بعض الإضاءات، السالف ذكرها، ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: «يأبا الله والمؤمنون إلا أبا بكر» (٢)، وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا ينبغي لقوم يكون فيهم أبو بكر يؤمهم غيره» (٣)، وكذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وهو الخليفة الرابع ذكر أبا بكر وشرفه وفضله وقال: "قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر فصلى بالناس, وقد رأى مكاني, وما كنت غائبا ولا مريضا, ولو أراد أن يقدمني لقدمني, فرضينا لدنيانا من رضيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لديننا" (٤)، قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "إنه كان من شأن الناس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي فأتينا فقيل لنا: إن الأنصار قد اجتمعت في سقيفة بني ساعدة مع سعد بن عبادة يبايعونه، فقمت وقام أبو بكر، وأبو عبيدة بن الجراح، نحوهم فزعين أن يحدثوا في الإسلام فتقا، فلقيَنا رجلان من الأنصار، رجل صدق: عويم بن ساعدة، ومعن بن عدي، فقالا: أين تريدون؟ فقلنا: قومَكم، لِما بلغنا من أمرهم، فقالا: ارجعوا فإنكم لن تُخالَفوا، ولن يؤت شيء تكرهونه، فأبينا إلا أن نمضي، وأنا أزوي كلاما أريد أن أتكلم به، حتى انتهينا إلى القوم،


(١) البخاري حديث (٤٤٥٤) ..
(٢) فضائل الصحابة لأحمد حديث (٥٨٩).
(٣) الشريعة للآجري حديث (١٣٠٠).
(٤) الشريعة للآجري حديث (١٣٠٠) ..

<<  <   >  >>