للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا هم عكوف هنالك على سعد بن عبادة، وهو على سرير له مريض، فلما غشيناهم تكلموا فقالوا: يا معشر قريش، منا أمير ومنكم أمير، فقام الحباب بن المنذر فقال: أنا جُذيلها المحكك وعُذيقها المرجَّب، إن شئتم والله رددناها جذعة، فقال أبو بكر: على رسلكم، فذهبت لأتكلم فقال: أنصت يا عمر (١)، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا معشر الأنصار، إنا والله ما ننكر فضلكم، ولا بلاءكم في الإسلام، ولا حقكم الواجب علينا، ولكنكم قد عرفتم أن هذا الحي من قريش بمنزلة من العرب، ليس بها غيرهم، وأن العرب لن تجتمع إلا على رجل منهم (٢)، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء، فاتقوا الله ولا تصدعوا الإسلام، ولا تكونوا أول من أحدث في الاسلام، ألا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين.

قال عمر: لي، ولأبي عبيدة بن الجراح - فأيهما بايعتم فهو لكم ثقة، قال: فو الله ما بقي شيء كنت أحب أن أقوله إلا وقد قاله يومئذ، غير هذه الكلمة - يعني ترشيحه - فو الله لأن أقتل ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا في غير معصية، أحب إلي من أن أكون أميرا على قوم فيهم أبو بكر، قال: ثم قلت: يا معشر الأنصار، يا معشر المسلمين، إن أولى الناس بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بعده ثاني اثنين إذ هما في الغار: أبو بكر السباق المبين، ثم أخذت بيده وبادرني رجل من الأنصار، فضرب


(١) أمر من أخ كريم لأخ كريم فقد آخى بينهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهما سيدا كهول أهل الجنة سوى الأنبياء والمرسلين (الغيلانيات حديث ١٩) ..
(٢) سئل بعض العلماء لم كانت قريش أفضل العرب وهي قبيلة من مضر؟ فقال: لأن دارها لم يزل منسكا لحج الناس، وموسما لهم وموردا لقضاء نسكهم، وكانوا لا يزالون يتأملون أحوال الواردين ويراعونها، يختارون أحسن ما يشاهدونه، ويتكلمون بأحسن ما يسمعونه من لغتهم، ويتخلقون بأحسن ما يرون من شمائلهم، فبذلك - وهو حسن الاختيار الذي هو ثمرة العقل - صاروا أفضل العرب، ثم قال: لما بعث الله نبيه - رضي الله عنه - منهم تمت لهم به الفضيلة، وكملت به السيادة، وإنما صار دارهم حرما لأن الله تعالى لما قال للسماوات والأرض: {ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} من الآية (١١) من سورة فصلت، كان المجيب له بذلك من الأرض موضع الكعبة ومن السماء ما قابله فلذلك جعل فيه البيت المعمور (السلوك في طبقات العلماء والملوك ١/ ٧٠).

<<  <   >  >>