للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على يده قبل أن أضرب على يده، ثم ضربت على يده وتتابع الناس" (١)، هذا هو الحق المبين، الذي أعمى الله عنه خلائق زعموا عدم أحقية أبي بكر - رضي الله عنه - بالخلافة، مع علمهم بوجود العباس - رضي الله عنه - عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجله كثيرا، حتى قال: «عم الرجل صنو أبيه» (٢) ولم ينظر الناس في استخلافه، ولم يكن المقدم عندهم، ولا الإمام الأعظم، وإنما كان المقدم والإمام الأعظم أبو بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه.

وإن للأنصار فضلهم ومكانتهم في نصرة الله ورسوله، والتضحية في سبيل الله بالنفس والنفيس، فلهم الحق كل الحق أن يتطلعوا إلى شيء من الأمر بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما تطلعوا إلى أن يعطيهم رسول الله من غنائم يوم حنين، وعتبوا على ذلك، فلما أبان لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحق قبلوا وطابت أنفسهم؛ لأن الإسلام مقدم عندهم على كل شيء، وهنا كان أبو بكر وعمر وأبو عبيدة أبعد نظرا من سعد بن عبادة وقومه - رضي الله عنهم -، خافوا من الانشقاق، فيكون ذلك بابا من الشر على وحدة الأمة المحمدية، ولاسيما والأمر لا زال في صُبحه، وأمام من يلي أمر الأمة من الأعمال ما يستدعي وحدة الصف على ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، هذا من جانب ومن جانب آخر الأنصار أنفسهم يعرفون مكانة قريش بين القبائل في الجاهلية، وما لهم من تأثير على سير الأحداث، فذكَّرهم أبو بكر - رضي الله عنه - الأمر الخطير، مع الاعتراف بفضل الأنصار، وبمكانتهم في الأمة المحمدية، فالناس دثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وشعاره الأنصار، ولم يسعَ أبو بكر - رضي الله عنه - لترشيح نفسه، ولكنه رشح أحد اثنين وهما من يعرف الأنصار والمهاجرون فضلهم، الأمر الذي لا يختلف عليه اثنان منهم، أبا حفص عمر - رضي الله عنه -، وأبا عبيدة عامر بن الجراح - رضي الله عنه -، فالأول الفاروق، والثاني أمين الأمة، ولا غرابة في مبادرة عمر - رضي الله عنه - إلى ترشيح أبي بكر، فالصحابة مجمعون على فضل أبي بكر - رضي الله عنه -، المهاجرون منهم والأنصار، وأنه الخيار منهم، والسابق الأول إلى كل فضيلة، وهو من يدعى من أبواب الجنة الثمانية، لطرْقه أبواب الخير المتعلقة بها، ولذلك لم يُنازَع عمر - رضي الله عنه - في ترشيحه


(١) أخرجه ابن أبي شيبة، المصنف (٨/ ٥٧١).
(٢) مسلم حديث (٩٨٣).

<<  <   >  >>