للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صَاغِرُونَ} (١)، وبقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (٢)، واقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن خروجه - صلى الله عليه وسلم - عام تبوك بالناس، وفي وقت شديد الحر، كثير الجَهد والمشقة، ثم عقد لواء الجهاد بعد ذلك لأسامة - رضي الله عنه -، ليسير بمن معه لفتح تخوم الشام، تنفيذا لأمر ربه تعالى، وإعلاما لأمته بأهمية الفتح الإسلامي، وتبليغ الناس دعوة الحق، وقد أدرك هذا أبو بكر - رضي الله عنه -، فكان أول عمل قام به إنفاذ أسامة بن زيد - رضي الله عنه - في جيش إلى البلقاء من الشام، إذ لم يتم ذلك في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد كان انتقاله إلى الرفيق الأعلى مصابا جللا دهى المسلمين، فلم يكن فراقه هينا على أصحابه - رضي الله عنهم -، فاشتد الحال، ونجمت أمور خطيرة بموته - صلى الله عليه وسلم -، لم تهدد أمن المسلمين فحسب، بل هددت بقاء الإسلام كما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد فهم أبو بكرأن تجهيز جيش أسامة كان بداية الفتح الإسلامي، ونشر دين الله في الأرض، ولم يقف أبو بكر - رضي الله عنه - عند هذا الحد، بل شرع في جمع الأمراء والجيوش من أماكن متفرقة من جزيرة العرب، ليبعث بها لفتح الشام والعراق، وفاء لما نوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين عقد اللواء لأسامة - رضي الله عنه -، فلما اجتمع عنده ما أراد من الجيوش قام في الناس خطيبا، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم حث الناس على الجهاد، فقال: "ألا إن لكل أمر جوامع فمن بلغها فهي حسبه، ومن عمل لله كفاه الله، عليكم بالجد والقصد فإن الجد والقصد أبلغ، ألا إنه لا دين لأحد لا إيمان له، ولا إيمان لمن لا خشية له، ولا عمل لمن لا نية له، ألا وإن في كتاب الله من الثواب على الجهاد في سبيل الله، لَما ينبغي للمسلم أن يختص به، هذه هي النجاة التي دل الله عليها، فنجّى بها من الخزي، وألحق بها من الكرامة"، ثم شرع - رضي الله عنه - في تولية الأمراء، وعقد الألوية والرايات، وبعثهم في أول سنة (١٣ هـ) وتم فيما لا يجاوز ستة أشهر فتح أمصار كثيرة من الشام أرض الروم، وكانت مقولة عظيمة لأبي بكر - رضي الله عنه - حينما بلغه أن جيوش الروم تتحزب على المسلمين فكان مما قال - رضي الله عنه -: "أَلْقَوا جنود المشركين، وأنتم أنصار الله،


(١) الآية (٢٩) من سورة التوبة.
(٢) الآية (١٢٣) من سورة التوبة ..

<<  <   >  >>