للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والله ينصر من ينصره، وخاذل من كفره، ولن يؤتى مثلكم عن قلة، ولكن من تلقاء الذنوب فاحترسوا منها، وليصل كل رجل منكم بأصحابه"، وقد تابع الصديق هذا الجانب الهام، في بناء الحضارة الإسلامية، والارتقاء بالشعوب من ظلمات الجاهلية، إلى نور الإسلام، فجهز لفتح العراق جيشا بقيادة خالد بن الوليد - رضي الله عنه -، وأمره أن يأتي الأبلة، ليدخل العراق من أعاليها، وأن يتألف الناس، ويدعوهم إلى الله - عز وجل -، فإن أجابوا وإلا أخذ منهم الجزية، وإن امتنعوا عن ذلك قاتلهم، وأمره ألا يكره أحدا على المسير معه، لأنه لا يأمن غدره، ولا يستعين بمن ارتد عن الإسلام، ولو عاد عن ردته، فهو غير مأمون ولاسيما وهو قريب عهد بردة، وهذه فطنة عظيمة من أبي بكر - رضي الله عنه -، وأخذ أبو بكر يتابع أخبار خالد في سيره في الفتح، ويمده بالسرايا والبعوث والجيوش عند حاجته إلى ذلك، وسار خالد - رضي الله عنه - في فتح أمصار العراق، يبث سراياه لحصار الحصون، ويستنزلون أهلها قسرا وقهرا، وصلحا ويسرا، وكان في جملة ما نزل بالصلح قوم من نصارى العرب، فيهم عمرو بن عبد المسيح بن نُفيلة، وجد خالد معه كيسا فقال: ما في هذا الكيس؟ وفتحه خالد فوجد فيه شيئا، فقال ابن نُفيلة: هو سم ساعة، فقال: ولم استصحبته معك؟ ! فقال: حتى إذا رأيت مكروها في قومي أكلته فالموت أحب إلي من ذلك، فأخذه خالد في يده وقال: إنه لن تموت نفس حتى تأتي على أجلها، ثم قال: بسم الله خير الأسماء، رب الأرض والسماء، الذي ليس يضر مع اسمه داء، الرحمن الرحيم، قال: وأهوى إليه الأمراء ليمنعوه، فبادرهم فابتلعه، فلما رأى ذلك ابن نُفيلة قال: والله يا معشر العرب، لتملكن ما أردتم مادام منكم أحد - يعني بهذه الصفة - ثم التفت إلى قومه أهل الحيرة، فقال: لم أر كاليوم أمراء أوضح إقبالا من هذا، ثم دعاهم وسألوا خالدا الصلح، فصالحهم وكتب لهم، وقدم خالد - رضي الله عنه - برهانا جديدا على كمال الإيمان، وقوة التوكل، وبعد نظر من خالد ليعلم القوم وكبيرهم أن هذه هي صفة أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم -، وليست الحالة الوحيدة، فمثل هذا كثير (١)،

وهو ما


(١) من ذلك قصة العلاء بن الحضرمي، في غزو دارين، دعا بثلاث دعوات استجاب الله له فيها: نزل منزلا فطلب الماء فلم يجد، فقام وصلى ركعتين وقال: اللهم إنا عبيدك وفي سبيلك نقاتل عدوك، اللهم اسقنا غيثا نتوضأ به ونشرب، ولا يكون لأحد فيه نصيب غيرنا، فساروا =

<<  <   >  >>