للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالعُشر» فما زلت أنا قصه حتى قال: «أوص بالثلث، والثلث كثير» (١)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه؛ فلا وصية لوارث» (٢)، فالوصية للوارث منتفية، والوصية لغير الوارث ثابتة، وهي في سبيل الله على العموم، ولكنها ثابتة في حق الأمة دون النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأن الأنبياء لا يورثون، وكل ما تركوا فهو صدقة في سبيل الله قلّ أو كثير، إلا ما هو مستثنى للنفقة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما يأكل آل محمد من هذا المال» (٣)، وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إنا معشر الأنبياء لا نورث، ما تركت بعد مؤنة عاملي، ونفقة نسائي صدقة» (٤)، فكون فاطمة رضي الله عنها لم تعلم بهذا الحكم الشرعي لا يقلل من شرفها على نساء العالمين، ولا على مكانتها عند الصحابة ومنهم أبو بكر - رضي الله عنهم -، ولا عند الأمة المحمدية، وكونها تطالب أبا بكر - رضي الله عنه - فذاك من حقها حسب فهمها، ولذلك عللت مطالبتها رضي الله عنها بسؤال أبي بكر فقالت له: «من يرثك؟ ، قال: أهلي وولدي، قالت: فمالي لا أرث النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ ! قال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنا لا نورث» ولكني أعول من كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوله، وأنفق على من كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينفق عليه (٥)، وفي رواية أنها قالت: "أفي الله أن ترث أباك، ولا أرث أبي؟ ، أما قال رسول الله: المرء يحفظ ولده؟ " فبكى أبو بكر بكاء شديدا (٦).

نعم بكى أبو بكر - رضي الله عنه - فبين يديه بنت رسول الله رضي الله عنها، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني» (٧)، وحاشا أبا بكر - رضي الله عنه - أن يسيء


(١) أخرجه الترمذي حديث (٩٩١) وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني.
(٢) أخرجه الترمذي حديث (٢٢٩٩) طرفا من حديث طويل في حجة الوداع، وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني.
(٣) أخرجه البخاري حديث (٤٠٣٦) وانظر أطرافه: (٣٠٩٣، ٣٧١٢، ٤٢٤١، ٦٧٢٦).
(٤) أخرجه أحمد المسند حديث (١٠٢٣٢) ..
(٥) أخرجه البيهقي السنن الكبير حديث (١٣١١٩).
(٦) تاريخ اليعقوبي (١/ ١٥٥).
(٧) أخرجه البخاري حديث (٣٧١٤) وانظر أطرافه: (٩٢٦، ٣١١٠، ٣٧٢٩، ٣٧٦٧، ٥٢٣٠، ٥٢٧٨).

<<  <   >  >>