[آثار الوضوء علامة لأمة محمد يوم القيامة]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر علامة أمة النبي صلى الله عليه وسلم الذين جعلهم الله خير أمة أخرجت للناس بآثار الوضوء يوم القيامة علامة يعرفون بها في ذلك اليوم.
حدثنا علي بن حجر السعدي حدثنا إسماعيل -يعني ابن جعفر - حدثنا العلاء عن أبيه عن أبي هريرة، وحدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أن مالك بن أنس حدثه عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة، وحدثنا بندار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن العلاء، وحدثنا أبو موسى قال: حدثني محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال: سمعت العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه، وحدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي أخبرنا ابن علية عن روح بن القاسم عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقبرة فسلم على أهلها، وقال: سلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أنا قد رأينا إخواننا، قالوا: أو لسنا بإخوانك يا رسول الله؟ قال: أنتم أصحابي، وإخواني قوم لم يأتوا بعد.
وأنا فرطكم على الحوض، قالوا: وكيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ قال: أرأيت لو أن رجلاً له خيل غر محجلة بين ظهري خيل بهم دهم ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإنهم يأتون غراً محجلين من أثر الوضوء وأنا فرطهم على الحوض.
ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال، أناديهم: ألا هلم فيقال: إنهم قد أحدثوا بعدك، وأقول: سحقاً سحقاً)، هذا لفظ حديث ابن علية].
والحديث أخرجه مسلم من طريق علي بن حجر، وفيه: دهم بهم، بالتقديم والتأخير.
والفرط: هو السابق الذي يتقدم القوم، والغرة: بياض في الوجه، والتحجيل في الأيدي والأرجل.
وفيه دليل على أنه يذاد رجال عن هذا الحوض عندما ترد عليه أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد جاء في صفات هذا الحوض: أنه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وأبرد من الثلج، وأن طوله شهر، وآنيته عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً حتى يدخل الجنة، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الواردين عليه.
وحديث الحوض من الأحاديث المتواترة، وفيه أنه يذاد عنه قوم غيروا وبدلوا، كالأعراب الذين ارتدوا، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليذادن قوم أعرفهم ويعرفوني، فأقول: ربي أصحابي) وفي اللفظ الآخر: (أصحابي أصحابي فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم).
وهل يكون الحوض قبل الصراط أو بعد الصراط؟ فيه قولان: قيل: أنه قبل الصراط وقيل: بعد الصراط، والأرجح أنه قبل الصراط؛ لأنه من تجاوز الصراط وصل إلى الجنة.
وفي إسناد هذا الحديث العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي، بضم المهملة وفتح الراء بعدها قاف، أبو شبل بكسر المعجمة وسكون الموحدة المدني صدوق ربما وهم من الخامسة، مات سنة بضع وثلاثين، لكن الحديث حسن، فله طرق أخرى، ورواية مسلم من غير طريق العلاء بن عبد الرحمن.
ومما يدل على أن الحوض قبل الصراط أن الذين ارتدوا يذادون عنه، وذكر القرطبي أنه يمنع منه بعض أهل البدع، وبعض المشركين، وبعض الظلمة، لكن ذلك يحتاج إلى دليل.
والرسول صلى الله عليه وسلم ينادي هؤلاء؛ لأنه قبل ذلك كان يعرفهم في الدنيا: (ليردن علي قوم أعرفهم ويعرفونني فيحال بينهم وبين الحوض، فأقول: ربي أصحابي)، وتارة (صحابي)، يقولها: ثلاثاً، فيقال: (إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك) وهؤلاء هم المرتدون